الأحد، 3 مارس 2019

مناقشة // بقلم المبدع // ابو محمد

مناقشة نص قصصي بإشراف الأستاذ المبدع
الدكتور مسلك ميمون
اعتاد قسم القصص القصيرة جدا في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب إجراء نقاش دوري لقصص مختارة ، تحت عنوان (التنشيط القصصي) بإشراف ومتابعة الأستاذ المبدع الدكتور مسلك ميمون وبمشاركة كتاب وشعراء متابعين ومهتمين في الجمعية ، وجاء في ديباجة هذا التنشيط ، كما يقول الدكتور مساك ، ما زلت أأكد أن الهدف الذي نسعى إليه من و راء هذا التّنشيط هو خلق روح من الحوار البنّاء ، الذي يساعد على فهم هذا الفنّ الجميل في الكتابة السّردية .. وفي التنشيط القصصي رقم ١٨ ، كان اللقاء مع نص للدكتور عبدالوهاب الجبوري ، وعنوان النص ( غدا يون آخر )
غدا يوم آخر
( قال في مذكراته عن العام الذي مضى ، ان مدننا الآفلة عجائزٌ بلا أمومة ، أراملنا آنسن الرعب عند أعمدة المشانق ، رياحنا لملمت حريرها وتركت مراهقاتنا بلا ذكور ، جيادنا قطعت أعنتها وغابت بين السفوح ، أمواتنا صنعوا من رؤوسهم تروسا تقيهم شظايا القنابل .. ثم ختم ، أرى أن نوغل في نفق مظلم كي نعتاد الصحو بلا عينين !)
يقول الدكتور مسلك لمعالجة هذا النّص
و مناقشته نقترح التّالي للإستئناس :
1) دراسة العنوان و مدى ملاءمته للنّص .
2) طريقة بناء النّص و تركيبه .
3) علاقة الاستهلال بالقفلة
تحدثت الأديبة نوار عطرجي قائلة :
القصة تحكي عن شخص يكتب مذكراته في عام مضى " زمن ماضٍ " يرويه كحدث متأرجح بين الماضي والحاضر ،،، ربما يكون من الماضي المستمر Past Continuous ،، حيث ختمت القصة برأي كاتب المذكرات مستخدما المضارع المستمر Present Continuous ....... ولكي تتبلور لدي إجابة كاملة للسؤال المطروح عن ملاءمة العنوان للنص .....
لابد من دراسة العنوان من محاور أربعة :
1- البنية
2- الدلالة
3- الوظيفة
4- القراءة السياقية للنص الداخلية والخارجية .
هذه المحاور قد تكون متداخلة بشكل كبير ،،،،
أولا : بنية العنوان
العنوان يتألف من ثلاثة كلمات " غداً يومٌ آخر " غدا : ظرف زمان مبهم منصوب متعلق بخبر محذوف وجوبا مقدم ، يومٌ : مبتدأ مؤخر مرفوع ، آخر : صفة مرفوعة وهنا يجب تقديم الخبر على المبتدأ ، لأن المبتدأ نكرة ، والخبر شبه جملة . وفي تقدم المسند على المسند إليه تحققت أغراض بلاغية من تخصيص الغد المبهم بلفظ يحمل معنى الظرفية وهو ظرف زمان محدد متصرف ولكنه أتى نكرة لتعميق معنى التخصيص بأنه مختلف عن اليوم الواضح المعروف والأمس الماضي المعلوم وفي ذلك تشويق للقارئ وربما يحمل الغد تفاؤلا يسر المخاطب .... وهنا هل أدى العنوان وظيفته الدلالية والتأويلية للنص !؟ هذا يتجلى من خلال القراءة السياقية للنص الداخلية والخارجية ......
لي عودة أكيدة لمتابعة تحليلي البسيط " تحليل طالبة جامعية " وأعتقد أنه لن يرتقي لمستواكم العلمي والثقافي والمعرفي ولكن شرف المحاولة لن أتخلى عنه واغفرلي قصوري أخ عبد الوهاب ولي عودة وما قصرت والله .
ثم تتابع
قصة " غدا يوم آخر " جاء العنوان فيها مستوحي من النص يتيح للمتلقي فرصة القراءة التأويلية والاستنباطية ، وأن يخلق جسرا من التواصل والتوافق بين النص والنص الموازي / العنوان . فإذا لاحظنا فجملة العنوان " غدا يوم آخر " غير موجودة في النص ولكن يمكن فهمها اعتمادا على قاعدة " دلالة المفهوم " عند علماء الأصول ...... من ((( ..... ثم ختم : أرى أن نوغل في النفق المظلم كي نعتاد الصحو بلا عينين !!! ))) هو رأي بنى على ماض أليم وواقع مرير ربما لن يختلف عنهما الغد إلا بأن نعتاد الصحو بلا عينين .... فهي خاتمة ساخرة محتقنة بالوجع والألم ....
بدأ الكاتب قصته بإستهلال مشوق ،،،، هيأ المتلقي لمضمون القصة فقد بدأ قصته كراوٍ يحكي لنا عن مذكرات شخص عاش أحداثا موجعة في عامٍ مضى .... ( كتب في مذكراته عن العام الذي مضى ) . عرض الكاتب في قصته وضعا سياسيا تعيشه الكثير من الدول اليوم كـ " العراق - سوريا - اليمن - فلسطين - مصر " وغيرها ....... وعلى ما أظن على حسب إطلاعي على ملف الكاتب الشخصي أتوقع أنه يسرد واقع دولته الأم " العراق " ! - إلا إن كنتُ قصيرة النظر لقلة خبرتي - عرض واقع العراق من خلال نظرة ذاتية شخصية قد يوافقه الكثير عليها فغايته من إثارة هذا الوضع تسليط الضوء لما يحدث في بلده من مآسي قد يغفلها الإعلام وكثير من الناس ولا يسلط عليها الضوء إلا تعريضا ........
الكاتب وفق في عرض أفكاره وسردها بأسلوب قصصي تصويري وصفي مأساوي ، فقد عمد إلى تصوير الواقع بمشاهد وصفية حركية ينعكس فيها وجدانه بصدق وإخلاص ، فقد وفق في نقل إحساسه وعاطفته عبر جمل متنوعة معظمها جمل اسمية خبرها جملة فعلية ،،،،، تعبر عن جثمان هذا الواقع واستمراريته المؤلمة وكأنه ثابت راسخ لا يزول بالإضافة إلى خلق فضاء من الحركة وعدم الجمود حركة تنم عن واقع مضطرب مليء بنكبات وفاجعات متتالية ،،، مشاهد مؤلمة موجعة مرعبة جسدتها أخيلة مبتكرة بأسلوب متدفق دقيق التعبير يمتلك عمقا في المعنى والتأويل .............
من وجهة نظري أرى الكاتب وفق جدا في قصته وأعجبتني وأستئذن من الأخ عبدالوهاب أن يتشرف مشروعي الذي أقوم به بوجود هذه القصة فيه ..... فمشروعي عبارة عن تصميم مقطع فيديو لمجموعة من القصص القصيرة جدا لمجموعة من الأدباء والأديبات أعبر فيه عن مدى احترامي وتقديري وإعجابي بما يكتبون وكذكرى خالدة لأقلام أحب قراءة ما يكتبون وتوثيق لقصص رائعة عبر الإعلام الحديث " اليوتيوب والفيس بوك وغيرها " .......
مشكور ما قصرت / النوار
ثم تحدث الأديب سعيد نويضي :
بسم الله و الحمد لله و سلام الله على الأحبة الكرام الأستاذ الدكتور الأخ مسلك ميمون
و الأستاذ الأديب الأخ عبد الوهاب محمد الجبوري و الأحبة الذين شاركوا قراءة و مرورا...
غدا يوم آخر...
يقول الحق جل و علا: يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29).
في تفسير ابن كثير لهذه الآية الكريمة من جملة ما ورد كتفسير قال ابن جرير : حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي ، حدثني إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ، حدثني عمرو بن بكر السكسكي ، حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني ، عن أبيه ، عن منيب بن عبد الله بن منيب الأزدي ، عن أبيه قال : تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( كل يوم هو في شأن ) ، فقلنا : يا رسول الله ، وما ذاك الشأن ؟ قال : " أن يغفر ذنبا ، ويفرج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين " . فاللهم اغفر ذنوبنا و فرج كروبنا اللهم آمين...روعة الحديث الشريف لسيد الخلق و المرسلين صلوات الله و سلامه عليه في تفسير الآية هي ما ورد في خاتمة الحديث..."...و يرفع قوما ،و يضع آخرين." فالغد هو اليوم الذي تشرق فيه شمس و قد تجددت أشعتها و حملت معها آمال و أحلام الأجيال التي ظلت معلقة بين المدن الآفلة و العجائز العقيمة، بين الأرامل التي اعتادت على الظلم و الرياح التي عصفت بالجبال و الرجال، فرساننا اختفت بين السفوح بعدما اقتلعت ما يربطها بالجذور، و أمواتنا الأحياء جعلوا من فكرهم من شبه ثقافتهم حصونا تقيهم نيل شهادة الكرامة...هذا الغد الدي يحمل من الرجاء و الأمل ما يعيد للزمن قيمته المثلى و للعصر حضارته الأبقى التي ترى بعين البصيرة أن الغد سيكون أفضل من اليوم مصداقا لما ورد في القرآن الكريم و ما جاء في الحديث الصحيح من خيرية هذه الأمة... هكذا قرأت العنوان...و هكذا اتضح لي أن العنوان اختزل النص و أحداثه
و مأساته إن صح التعبير من حيث الزمن /القيمة التي لا يمكن إنتاجها و لا التحكم في جوهرها بقدر ما يمكن السيطرة على مجريات حاضرها لو استوعبنا سننها و تفادينا الأخطاء التي ارتكبناها في ثلاث كلمات تشكلت من الغد و اليوم و الآخر كسنة من سنن الاختلاف بين الأزمنة...
و للحديث بقية إن شاء الله فيما يخص طريقة البناء و تركيبه و كذا علاقة الاستهلال بالقفلة...
تحية صادقة للأحبة الكرام و الحمد لله على إطلالتك المشرقة أستاذنا الرائع بتنشيطك و جهدك الذي تبذله من أجل إعلاء شأن الكتابة الجيدة الهادفة الفنية المبدعة ،و من شأن النقد الذي به ندرك ما نقرأ و نستوعب به الجيد من الرديء...فجزاك الله خير الجزاء...
تحيتي و تقديري
ثم تابع الأستاذ سعيد نويضي :
بسم الله و الحمد لله و سلام الله على الأخ الأديب عبد الوهاب محمد الجبوري
حفظك الله و رعاك دوما تتحفني بطيب القول و جميل الدعاء...
بنية القصة
اعتمدت القصة في بنيتها اللغوية على جمل مركبة من الجمل الإسمية و أخرى فعلية في تداخل أشبه ما يكون بتداخل حركة الحياة في أبعادها الزمنية...في حركة الأسماء و ما تنتجه من آثار في الأفعال في الحياة ،في المجتمع ،في الإنسان...فزمن النص هو الماضي الذي لا زال حاضرا في الواقع بسلبياته و إجابياته ، فالماضي حاضر في الحاضر يتفاعل معه لكي يؤسس ذاك المستقبل... الماضي تغير شكله لكن مضمونه باق يشكو من قلة البصيرة...الشيء الوحيد الذي حدث فيه التغيير هو ارتقاء مستوى الوعي ولو قليلا ،بالنظر مع عصر التجديد ،الذي جدد فيه الرسول عليه الصلاة و السلام المفاهيم و أصلحها بما شاء الله و ما آلت إليه الأمور بعدما غابت روعة النقد للعقل و الفكر و السلوك فغاب السؤال و غابت معه شمس العلم . تلك التي أشرقت في مكان آخر لكنها أشرقت على جانب دون بقية الجوانب الأخرى...كذلك ما تغير بعدما وصلنا من الآخر ما وصلنا من شعاع العلم هو طريقة التعامل مع هذه القيمة الكبرى المسماة "الزمن"...
و تظل تركيبة القصة تركيبة قامت على جدلية الأسماء و الأفعال التي تقسم الزمن بين البناء و الهدم /بين الماضي و الحاضر/بين الأمل – الرجاء / و اليأس - القنوط ،بين حقيقة الموت /الفناء /و حقيقة الحياة/الانبعاث...لتكون الخاتمة بمتابة خلاصة لانبثاق الوعي من خلال تراكمات الظلم و الظلمات... لكن هذا الانبثاق لا يؤدي إلى الصحوة إلا إذا كان البحث في طبقات الجهل المتراكمة عبر العصور لإزاحتها حتى ينطلق النور...فالصحوة آتية لا محالة لأن نظارة الغير تنتفي مع طبيعة الفطرة التي جعلها الحق بداية تنمو في ظلمات ثلاث ثم تنطلق و تخرج إلى عالم لكي تبدأ رحلة جديدة في صراع للخروج من ظلمات الجهل إلى نور اليقين...من ظلمات الظلم إلى رحابة نور العدل...
تحيتي و تقديري المتواصل للأحبة الكرام...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
د. عبدالوهاب الجبوري
العراق في ٢٠١٩/٣/٣
النص الاصلي نشر في الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب (واتا)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق