الاثنين، 6 فبراير 2017

رؤية تحليليه الدكتور محمد جاموز والاستاذ صلاح العشماوي

من ذا يعيد إلى الحياة حياتي
ويرد نبضٌ غاب عن قنواتي
عطشى عروقي والظما يقتاتها

في داخلي مسفوحة سنواتي
مجهولة كل المساءات التي
في عتمها مسكوبة دمعاتي
فأنا الذي في قسوة تجتاحني
أنواء هجر قاسي الصفعات
مدمى وقلبي بالدماء مخضب
من كأس نزفي أحتسي ويلاتي
ذهب الأحبة عن دياري والنوى
أمسى يردد خلفهم أناتي
يأوي إلى ركن المواجع خافقي
وعلى الضلوع ترسبت حسراتي
عبثا أقلب في صحائف وحدتي
فيذوب جفني في سطور شتاتي
رتلت آيات الفراق وها أنا
خلف الرجا منسابة دمعاتي
ولكم عبرت إلى الديار مناديا
أيناكمو واغرورقت عبراتي
عودوا فذاك الهجر أدمى مقلتي
يامن ملكتم حاضري والآتي
......... صلاح العشماوي
نحن اليوم في حضرة شاعر عاشق - وما اكثر العشاق!!! - يعاني من حر الهجر وجمره -وما اصعب البين!!!! - يناجي محبوبة بانت، وتركته يشكو لنا ما يكابد من لوعة وألم...
يبدأ الشاعر قصيدته الرقيقة بمناشدة بليغة-بعد ان ألمت به الطامة الكبرى- فقد فارقت حياته الحياة (من ذا يعيد الى الحياة حياتي ).. ومن ذا يعيد نبض قلبه الى العروق الخاوية ( ويرد نبضٌ غاب عن قنواتي)...
وأراه هنا يرسم لوحة بيانية بليغة ، فقد ابدع شاعرنا في تصوير جسده كأرض ترويها قنوات المياه وتمدها بأسباب العيش والخصب والعطاء ... ولو انه اخطأ في رفع كلمة "نبضٌ " - التي يجب ان تكون منصوبة باعتبارها مفعول به -سهوا- وجل من لا يسهو !..
ويكرر شاعرنا الرائع رسم لوحة غاية في التعبير حين يشبه ظمأه الى الحبيب بوحش اسطوري لا يوضح معالمه، ولكنه وحش يقرقش عظامه ( والظما يقتاتها)... ويسهب في وصف حالته المرة المزرية : فلياليه الحالكة غريبة، موحشة، بلا ملامح، ولا يكاد يميزها ( مجهولة كل المساءات) ... وهو يقضيها بذرف الدموع السخينة.. ( مسكوبة دمعاتي)!! .. لماذا ايها الشاعر الرقيق كل هذا؟؟؟.. اثرت فضولنا، واقلقتنا... ويجيبنا في التو واللحظة انه هجر الحبيب!!! ..
وهنا يحيك صورة تشبيهية مورقة لما يعاني، حين يشبه الهجر ببحر متلاطم الامواج تعصف فيه الأنواء ( أنواء هجر).. وتمزق شراعه وتحطم ياطره وبوصلته، وتدمن صفعه من كل اتجاه( قاسي الصفعات) ... صفعات تدميه وتزهق انفاسه، فيعاني الويل والثبور وعظائم من تجرع كؤوس الأسى في شغاف الفؤاد..... ( أحتسي ويلاتي)...
وهنا اجد هنة في تكرار المعنى والكلمات في قوله ( مدمى وقلبي بالدماء مخضب // من كأس نزفي)...
وكذلك في تكرار ان من ينوبه كان جراء البين الجائر( ذهب الأحبة عن دياري ).. حسنا قد قلت هذا قبل قليل.. فما الجديد ايها العاشق المفجوع؟... الجديد صورة بلاغية باذخة : فقد شبه شاعرنا البعد بعاشق حساس، أنشب الفراق أنيابه في جوارحه، فصار ويبكي وينوح ويئن.......... ( والنوى أمسى يردد خلفهم أناتي)!!.. ويتحفنا الشاعر الملتاع بصورة بيانية جديدة وجميلة حين يشبه ضلوعه ببحر تترسب فيه حسراته كما تترسب الرمال والاتربة في قاع البحر ( وعلى الضلوع ترسبت حسراتي).. .. ويوالي الشاعر رسم الصور والاستعارات الرائعة فيشبه اهدابه بشموع تذوب لوعة وألما ( فيذوب جفني)... ولكن اين؟... في تيه ومفازة شبهها بالسطور( في سطور شتاتي) و في اتون وحدة قاتلة!! .. ويشبه معاناة الفراق بآيات ولكن لايرتلها بشفاهه ولسانه بل بعيون دامعة (رتلت آيات الفراق)....
لكنه لا يستسلم للقنوط، فقلبه تعلق بالرجاء و هو يتبع خطواته، فعسى ولعل يهديه الامل والتفاؤل الى بر الامان بلقاء الحبيب ( وها أنا خلف الرجا )... فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس!!..
ويختم الشاعر قريضه الجميل باكيا منتحبا بنداء المستغيث ( عودوا) بعد ان زار ديار الحبيب ونادى بملء فيه ( ايناكمو) ... -ولم يجبه الا الصدى- .. فقد ادمى بعدكم عيوني ( ادمى مقلتي).. وليس هذا فحسب هو سبب مناداته لكم بالعودة بل الامر اعظم وأجل من ذلك، فأنتم كل دنياي: حاضره ومستقبله ونأيكم ينسف حياتي كلها ( يامن ملكتم حاضري والآتي)!
لا ريب ان شاعرنا قد اتحفنا بقصيدة وجد رقيقة لكنه اكتفى بزيارة مضاربها ومناداتها... ولم يسأل عنها موج البحر ومدن العالم وطيور السماء ونجومها... كما يفعل العشاقون المشتاقون!
وكالعادة تركت لكم ما يشحذ همم اقلامكم..
فالأمسية منكم وإليكم
وبمداخلاتكم يكتمل المشهد
وتتضح الصورة
فبكم
ومعكم نرتقي!!!
ولصاحب افضل مداخلة









ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق