من الطبيعي،أنْ لا يكونَ هناك إقبالٌ كبيرٌ على المنشورات الجيِّدة؛فالأمر في بادئ الأمر لهُ علاقة باللغة.
فأنتَ تجدُ الكثير والكثير من الناشرين في هذا العالم الإفتراضي:ومنهم من لا يحفظُ سورة من القرآن الكريم،ولو قصيرة؛ومنهم من لا يعرف امرُؤَ القيس والجاحظ والثعالبي،والقائمة طويلة...ومنهم من لا يعرف العَروض ويلقِّبُ نفسه بالشاعر؛ومنهم من لا يعرف المادية الجدلية ويطلق على نفسه بأنه اشتراكي؛وقسْ على هذا المنوال أمثلة لا تُحصى.
فمن الطبيعي إذن أن الكاتب المميَّز لن يحصُلَ إلا على قدر ضئيل من المتابعين لأن الكثرة من القرَّاء لا حظ لها من اللغة العربية.
ولقد خصصتُ سنيناً لدرس اللغات ـ ليس كل اللغات وإنما البعض منها ـ وتبيَّنَ لي في الأخير أنَّ اللغة العربية هي أصعبُ اللغات جميعاً.( وهذا موضوع سأنشر عنه كتاباً إن شاء الله).
ولهذه الغاية،أي صعوبة اللغة،نجد ثُلَّةً قليلة من لها ذلك الحظ من فهم اللغة والغوص في أسرارها وفنونها وجمالياتها.وأغزرُ من ألمَّ باللغة إلماماً لم يوازيه فيه أحد هو أبو العلاء المعري.لقد كان نابغة في اللغة وكل ما له صلة بها.ويمكنك أن تأخذ شخصا حاصلا على الدكتوراه وتقدم له كتابا من كتب أبي العلاء فستراه لن يستطيع لسبرها سبيلا.
وأنا لا أدَّعي أني قويٌّ بما فيه الكفاية في اللغة؛لكني أقول بأنه من الصعب على الممارس للقراءة والبحث في اللغة في عصرنا الحاضر أن يكون ذا دراية عميقة وإيجابية.
والظاهر أن هذا القصور في فهم اللغة العربية هو ما يجعل القراء يميلون عن قراءة النصوص الجيدة ويجدون فيها صعوبات لا يستطيعون لها استيعاباً.وهناك من يقرأ ويفهم ما يقرأ ولكنه لا يفهم ما يُرادُ من ذلك المقال.فهو فقط يعرف قراءة الكلمات.
وأنا أرى أنه من الفاحش أن يلقبَ أحد نفسه بالشاعر وهو لم يقرأ قطُّ للثعالبي أو ابن قتيبة أو سُلام الجمحي أو للمتنبي والنابغة وغيرهم.فهؤلاء الأسلاف هم الأرضية التي تسمحُ لأيٍّ كان أن يُصبح شاعرا أو كاتبا أديبا.ولا جرم أننا نعرف أن أساس اللغة العربية هو القرآن الكريم ولكن أكثر الناس لا يُطالعونه.
ولعمري إنك لتجد من الغيظ في نفسك حين ترى شخصا يكتب الشعر وهو لا يعرف أي شيءٍ عنه،ثم تجد أنه حصل على وابلٍ من الإعجابات أمطرها عليه أشخاص هم أكثر منه جهلا للغة العربية والشعر.وهذا شيء مؤسف جدا لأنه يؤثر على رُقِيِّ اللغة وجعلها تتهاوى يوماً بعد يوم إلى الحضيض.
وأغلبُ الظنِّ أنَّ الذين لهم رساخة في اللغة لم يعدْ لهم أي اهتمام بهذا الحقل.فكل واحد منهم نال ما كان يطمحُ إليه بتلك الشواهد الرنانة ثم انزوى في ركنه فَرِحاً مسروراً بجائزته كأنه أقام الدنيا وأقعدها بما نالَهُ.
ومنذ الخمسينات،ظهرت بوادرٌ تشرح الصدر وتشفي الغليل بحيث انطلقت نهضة فكرية لا بأس بها في ربوع الأمة العربية.فكان هناك شعراء وأدباء وروائيون؛وعجَّتِ الساحة الثقافة العربية بالجدالات المُثرية والرفيعة،لكن هذا السنا خمدَ بسرعة ثم أخذ يخبو شيئا فشيئا حتى أصبحنا لا نسمع شيئا عن الثقافة؛وإنما أصبحت مكان ذلك الثقافة المائعة الرخيصة والحوارات الجافة المبتذلة وغيرها من الصور التي أفرزت عنها سياسات التعليم في الدول العربية.
ولستُ أخفي حسرتي حين أرى أن هناك من يريد قتل هذه اللغة وإقبارها؛وأن هناك قوميات بلهجات مختلفة تناضل من أجل تثبيت لهجاتها مكان اللغة العربية ولو أنَّ هذا لأمر قد اختلف فيه السلف من قبل ثم اجتهدوا وتوافقوا حين ألغوْا جميع اللغات واكتفوا باللغة العربية كلغة رسمية لكل المسلمين ومن يدخل تحت رايتهم.
النهضة في فرنسا مثلا لم تقمْ إلا لأن الشعب كان واعيا بدور لغته في تبليغ العلم والآداب إلى العقول؛ولم تقم باللهجات...ففولتير مثلا وروسو وغيرهم لم يكتبوا إلا باللغة الرسمية.أما نحن،فقد اجتهد الناس ووضعوا لغة جديدة هجينة لا فحوى لها ولا مغزى وإنما هي لغة سوقية وساقطة،ومن هنا يظهر أننا نجري إلى نهضة الميوعة والإنحلال الخلقي والسفاهة اللفظية.والعجب هو أن المعجبين بمثل هذه اللغة المنحرفة عددهم كعدد نجوم السماء أو أكثر؛ولكن أكثرهم لا يعقلون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب والشاعر المغربي مصطفى بلقائد.
فأنتَ تجدُ الكثير والكثير من الناشرين في هذا العالم الإفتراضي:ومنهم من لا يحفظُ سورة من القرآن الكريم،ولو قصيرة؛ومنهم من لا يعرف امرُؤَ القيس والجاحظ والثعالبي،والقائمة طويلة...ومنهم من لا يعرف العَروض ويلقِّبُ نفسه بالشاعر؛ومنهم من لا يعرف المادية الجدلية ويطلق على نفسه بأنه اشتراكي؛وقسْ على هذا المنوال أمثلة لا تُحصى.
فمن الطبيعي إذن أن الكاتب المميَّز لن يحصُلَ إلا على قدر ضئيل من المتابعين لأن الكثرة من القرَّاء لا حظ لها من اللغة العربية.
ولقد خصصتُ سنيناً لدرس اللغات ـ ليس كل اللغات وإنما البعض منها ـ وتبيَّنَ لي في الأخير أنَّ اللغة العربية هي أصعبُ اللغات جميعاً.( وهذا موضوع سأنشر عنه كتاباً إن شاء الله).
ولهذه الغاية،أي صعوبة اللغة،نجد ثُلَّةً قليلة من لها ذلك الحظ من فهم اللغة والغوص في أسرارها وفنونها وجمالياتها.وأغزرُ من ألمَّ باللغة إلماماً لم يوازيه فيه أحد هو أبو العلاء المعري.لقد كان نابغة في اللغة وكل ما له صلة بها.ويمكنك أن تأخذ شخصا حاصلا على الدكتوراه وتقدم له كتابا من كتب أبي العلاء فستراه لن يستطيع لسبرها سبيلا.
وأنا لا أدَّعي أني قويٌّ بما فيه الكفاية في اللغة؛لكني أقول بأنه من الصعب على الممارس للقراءة والبحث في اللغة في عصرنا الحاضر أن يكون ذا دراية عميقة وإيجابية.
والظاهر أن هذا القصور في فهم اللغة العربية هو ما يجعل القراء يميلون عن قراءة النصوص الجيدة ويجدون فيها صعوبات لا يستطيعون لها استيعاباً.وهناك من يقرأ ويفهم ما يقرأ ولكنه لا يفهم ما يُرادُ من ذلك المقال.فهو فقط يعرف قراءة الكلمات.
وأنا أرى أنه من الفاحش أن يلقبَ أحد نفسه بالشاعر وهو لم يقرأ قطُّ للثعالبي أو ابن قتيبة أو سُلام الجمحي أو للمتنبي والنابغة وغيرهم.فهؤلاء الأسلاف هم الأرضية التي تسمحُ لأيٍّ كان أن يُصبح شاعرا أو كاتبا أديبا.ولا جرم أننا نعرف أن أساس اللغة العربية هو القرآن الكريم ولكن أكثر الناس لا يُطالعونه.
ولعمري إنك لتجد من الغيظ في نفسك حين ترى شخصا يكتب الشعر وهو لا يعرف أي شيءٍ عنه،ثم تجد أنه حصل على وابلٍ من الإعجابات أمطرها عليه أشخاص هم أكثر منه جهلا للغة العربية والشعر.وهذا شيء مؤسف جدا لأنه يؤثر على رُقِيِّ اللغة وجعلها تتهاوى يوماً بعد يوم إلى الحضيض.
وأغلبُ الظنِّ أنَّ الذين لهم رساخة في اللغة لم يعدْ لهم أي اهتمام بهذا الحقل.فكل واحد منهم نال ما كان يطمحُ إليه بتلك الشواهد الرنانة ثم انزوى في ركنه فَرِحاً مسروراً بجائزته كأنه أقام الدنيا وأقعدها بما نالَهُ.
ومنذ الخمسينات،ظهرت بوادرٌ تشرح الصدر وتشفي الغليل بحيث انطلقت نهضة فكرية لا بأس بها في ربوع الأمة العربية.فكان هناك شعراء وأدباء وروائيون؛وعجَّتِ الساحة الثقافة العربية بالجدالات المُثرية والرفيعة،لكن هذا السنا خمدَ بسرعة ثم أخذ يخبو شيئا فشيئا حتى أصبحنا لا نسمع شيئا عن الثقافة؛وإنما أصبحت مكان ذلك الثقافة المائعة الرخيصة والحوارات الجافة المبتذلة وغيرها من الصور التي أفرزت عنها سياسات التعليم في الدول العربية.
ولستُ أخفي حسرتي حين أرى أن هناك من يريد قتل هذه اللغة وإقبارها؛وأن هناك قوميات بلهجات مختلفة تناضل من أجل تثبيت لهجاتها مكان اللغة العربية ولو أنَّ هذا لأمر قد اختلف فيه السلف من قبل ثم اجتهدوا وتوافقوا حين ألغوْا جميع اللغات واكتفوا باللغة العربية كلغة رسمية لكل المسلمين ومن يدخل تحت رايتهم.
النهضة في فرنسا مثلا لم تقمْ إلا لأن الشعب كان واعيا بدور لغته في تبليغ العلم والآداب إلى العقول؛ولم تقم باللهجات...ففولتير مثلا وروسو وغيرهم لم يكتبوا إلا باللغة الرسمية.أما نحن،فقد اجتهد الناس ووضعوا لغة جديدة هجينة لا فحوى لها ولا مغزى وإنما هي لغة سوقية وساقطة،ومن هنا يظهر أننا نجري إلى نهضة الميوعة والإنحلال الخلقي والسفاهة اللفظية.والعجب هو أن المعجبين بمثل هذه اللغة المنحرفة عددهم كعدد نجوم السماء أو أكثر؛ولكن أكثرهم لا يعقلون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب والشاعر المغربي مصطفى بلقائد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق