الاثنين، 26 سبتمبر 2016

لغتنا الجميلة بحث بقلم الاستاذ خالد خبازة

لغتنا الجميلة
في علم البيان والبديع
البحث الخامس
التورية و المقابلة ( من المحسنات البديعية )
تذكيرا بما بحثناه سابقا و باختصار قلنا
انه من الأفضل على الشاعر أن يكون ملما بهذه المحسنات لما تضفي من الجمال و القوة في بناء البيت الشعري و قلنا
ان الاستعارة هي ضرب من التشبيه ، و نمط من التمثيل .
يقال : هي استعارة الشيء المحسوس ، للشيء المعقول ( المعنوي ) ، كقوله تعالى :
" و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة "
كما ذكرنا أن الكناية
هي أن يأتي الشاعر بعبارات أو بألفاظ تحمل معان معينة .. و لكن يستشف منها معنى آخر قصده الشاعر
وكذلك ، أن يذكر المتكلم شيئا ، و هو يريد شيئا آخر ، كقولك : فلان نقي الثوب ، أي لا عيب فيه ،
و طاهر الجيب ، أي ليس بغادر ، و قلنا أيضا
الطباق .. علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ، ووضوح الدلالة . وهو ضربان : ضرب يرجع الى المعنى , و ضرب يأتي على اللفظ . أما المعنوي فمنه :
المطابقة و تسمى الطباق ، أو التضاد أيضا .
كقول أبي صخر الهذلي :
أما و الذي أبكى و أضحك و الذي ... أمات و أحيا ، و الذي أمره الأمر
و الجناس هو التشابه اللفظي ، و التام منه ، أن يتفق اللفظان في نوع الحروف و أعدادها ، و هيئاتها و ترتيبها ، يكون جناسا تاما ، و قد يكون الجناس بين اسمين ، كقوله تعالى :
" و يوم تقوم الساعة ، يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة "
فلفظة الساعة أسم يعني القيامة ، و ساعة يعني الزمن .
و قد يكون الجناس بين اسم و فعل ، كقول أبي تمام :
ما مات من كرم الزمان فانه ... يحيا لدى يحيى بن عبدالله
فيحيا هنا فعل .. و يحيى اسم .. شكلا جناسا تاما
و كقول الشاعر
ناظراه فيما جنت ناظراه ... أو دعاني أمت بما أودعاني
و الأن سنتكلم عن نوعين من المحسنات البديعية
1- التورية :
هي أن تكون الكلمة تحمل معنيين انثنين .. فتريد أحدهما ، فتوري عنه بالأخر ..
كقول البحتري :
مرية بالحسن ، تملح بالقلوب و تعذب
أراد الملاحة ، و لم يرد الملوحة .. فورّى عن ذلك ( من التورية ) بقوله و تعذب .
و كقول أبي تمام :
قمر ألقت جواهره ... في فؤادي جوهر الحزن
كل جزء من محاسنه ... فيه أنواع من الفتن
أراد جوهر المتكلمين .. لا جوهر الملوك .
2- المقابلة :
أن يأتي الشاعر بمعنيين متوافقين ، أو بمعان متوافقة ، ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب ، و المراد التوافق خلاف التقابل ، و قد تتركب المقابلة من طباق و ملحق به ، مثال مقابلة اثنين باثنين . مثال قوله تعالى :
" فليضحكوا قليلا ، و ليبكوا كثيرا " .
و كقول النابغة الذبياني :
فتى تم فيه ما يسر صديقه .. على أن فيه ما يسوء الأعاديا
و كقول الآخر :
فوا عجبا كيف اتفقنا فناصح ... وفيٌّ ، و مطوي على الغل غادر
فان الغل ضد النصح ، و الغدر ضد الوفاء .
و قول أبي الطيب :
فلا الجود يفني المال ، و الجد مقبل ... و لا البخل يبقي المال و الجد مدبر
و مثال على المقابلة أربع بأربع .. و بالأحرى خمس بخمس كما في هذا البيت الرائع لأبي الطيب المتنبي .. ليس من حيث المعنى فقط ، و انما أيضا من حيث المقابلة ، و الذي لم يأت احد من الشعراء بمثله من حيث اتيانه بخمس طباقات في بيت واحد ، و هو مقابلة رائعة :
أزورها ، و سواد الليل يشفع لي ... و أنثني ، و بياض الصبح يغري بي
أرجو أن أكون قد أوضحت
.. مع بالغ تحياتي
...
المراجع : عدد من كتب التراث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق