الثلاثاء، 3 يناير 2017

قصيده وتحليل للمبدع // د. محمد الجاموز// القصيده أ. ابراهيم ذيب سليمان

قصيدة وتحليل
---؛ ------
في مستهل برنامجي هذا آليت على نفسي -كعادتي دوما- ألا اجامل؛ ولكن ماذا يقال في قصيدة رائعة تفتن قارئيها؟؟؟!
يا حادي العيس ..
_؛ ________
الحمدُ لّلهِ ...... رب الكونِ والنعمِ
ثُمَّ الصلاة على الهادي بِمِلْءِ فَمي
يا حاديَ العيسِ مهلاً ..... إنَّنا بَشَرٌ
منْ لَوْعَةِ الشَّوقِ باتَ القَلبُ في سَقَمِ
مهلاً علينا .... فَإنَّ الرّوح في شَغَفٍ
واعْشَوشَبَ القَلبُ بالأحزان وَالألمِ
لو كُنْتُ أعلمُ أنَّ العيسَ راحلَةٌ
وَضَعتُ قَلبي مَعَ الأحْمالِ في صَمَمِ
لكنَّهم .... في ظَلامِ اللَّيلِ قد رَحَلوا
والقلبُ مِنْ حُرقَةٍ ... يَهذي بلا كَلِمِ
آثارُهُمْ ..... في مكانِ البيتِ باقِيَةٌ
حَتى الرَّمادُ الذي قَدْ كانَ كَالعلَمِ
قِطَعُ البخورِ الذي قَدْ كانَ مُشْتَعلِاً
أَثَرُ الدِّلالِ التي دَلَّتْ على الكَرَم
ِ قارورةٌ ألْقِيَتْ .... مِنْ عِطْرِها نَفَذَتْ
تَشْكو مِنَ السُّهْدِ قَدْ باتَتْ وَلَمْ تَنَمِ
حَتّى المَراعي فَقَدْ ضاقَتْ بِما رَحُبَتْ
مِنْ فُرْقَةِ الخَيلِ وَالأنْعامِ وَالغَنَمِ
يا حادِيَ العيسِ .. لَوْ أخَّرْتَ هَوْدَجَها
أهْدَيْتَ قَلبي سُوَيْعاتٍ مِنَ النِّعَمِ
كَيْ يَرْتَوي القَلبُ منْ ظَمَأٍ لِمَبْسَمِها
ثُمَّ اقْتُلوني.... وَلَوْ بالأشْهُرِ الحُرُم
بقلم الاستاذ
ابراهيم ذيب سليمان
في تحليل القصيدة أرى شاعرا أزرى به الشوق
وأمرض قلبه (باتَ القَلبُ في سَقَمِ )..
لم ينتظر ان نكرر الحمد لله والصلاة على سيد الخلق بعده... فقلبه قد امتلأ حزنا والما(واعْشَوشَبَ القَلب) كما تمتلىء الحقول بالعشب الاخضر في الربيع في صورة بديعة تعكس مدى معاناته! ...
الويل لشاعرنا من الفراق و البعد والألم و عظيم التعب... لقد نزل البين بساحته و ساحة محبوبته.. ثارت الأبل و رحلت المحبوبة (في ظَلامِ اللَّيلِ قد رَحَلوا).. ولم يبق بيد شاعرنا شيء!.. لقد اناخوا العيس،و في تعبيره بالعيس دون كلمة( الجمال) إجادة من الشاعر لأن العيس هي الجمال المعدة للرحلة، فها هي الجمال تبرك ليركب الراحلون ثم تُثار الأبل لتقف و تبدأ المسير مبتعدة عن شاعرنا المفجوع..
و شاعرنا أجاد في التصوير و الوصف لبداية الرحلة بإيجاز بليغ ( أنَّ العيسَ راحلَةٌ ).. . لكنه تأخر، فقد رحل الركب...
ولو علم بأنهم سيرحلون لدس قلبه مع حمولة النياق(وَضَعتُ قَلبي مَعَ الأحْمالِ) شوقا وولها.... فصار يهذي -والهذيان كلام ضبابي غير معقول او مفهوم لا يمت الى سابقه او لاحقه بصلة - ولكن قلب شاعرنا يهذي بصمت راسما صورة رائعة عن حالة الذهول التي اعترته! ...
ويفسر الشاعر لنا سبب ذهوله وعلة فقد اتزانه بوصف المكان في حسرة ولوعة : رماد تذروه الريح وكانت نارا كالجبل (الرَّمادُ الذي قَدْ كانَ كَالعلَمِ )..
ويعتبر العرب النار دليل كرم فقد كانوا يوقدونها ليلا على رؤوس التلال ليستدل بها المسافر في الصحراء ليستضيفوه ويكرموه ولكن شاعرنا استدل بأثر طهي القهوة (أَثَرُ الدِّلالِ ) على الكرم مخالفا العرف والعادة والمعهود !!!... ولو اني اشك في كلمة دلال ان كانت فصيحة...!
ولمح بأسى قارورة عطر فارغة وصورها كعاشق اضناه الجوى وهجره الكرى (ْ تَشْكو مِنَ السُّهْدِ )... ولم يغفل حتى عن قطع البخور المطفأة(ِ قِطَعُ البخورِ الذي قَدْ كانَ مُشْتَعلِاً )
و راعه الخواء الذي يسكن مكانا ضاق (ضاقَتْ بِما رَحُبَت )، وكان يعج بالخيل والانعام والغنم........
شاعرنا الموجوع ما الذي بقي لك و أنت تنادي حادي العيس غير شوق يتلظى في قلبك لمحبوبة رحلت؟!
يا حادي العيس- و الحادي من يترنم بالحداء و الغناء كي تسير الأبل و تنشط للمسير الطويل-..
وقد بدأت الرحلة بالفعل.. و الحادي يغني.. و الشاعر يستصرخه : يا حادي العيس!- و هل يقف الحادي؟ هيهات......!
فيختم قصيدته معاتبا: يا حادي العيس لماذا اسرعت بالرحيل؟... (لَوْ أخَّرْتَ هَوْدَجَها) لو تأخرت سويعات..
سويعات قليلة تهب قلبي نعيما (سُوَيْعاتٍ مِنَ النِّعَم) أفتديه بدمي... ولو في الاشهر الحرم التي تضع فيها الحروب اوزارها ويحرم القتل فيها... فيروي شوقه لرؤية ثغرها، ويبيح قتله لقاء نظرات يتزود بها قبل لقاء ربه... وهنا يبدع الشاعر في وصف شوقه وحنينه الى درجة مرموقة من الهيام!
اعادنا شاعرنا الرائع ليس فقط الى عهد الامويين ومضارب ( ابو المستهل) الكميت بن زيد الاسدي بل الى مقارنة حتمية مع قصيدته :
لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم
وحملوها وسارت في الدجى الابل
يا حادي العيس عرج كي اودعهم
يا حادي العيس في ترحالك الاجل
تلك القصيدة الخالدة التي تغنى بها الشعراء والمغنون -وما زالوا- وحذفوا منها واضافوا اليها.. وكأن شاعرنا نسج على منوالها بيراعه الباذخ واسلوبه السامق قصيدة لا تقل عنها روعة وجمالا!!
كنت اتمنى على شاعرنا ان يتوئم بين عصره وعصر الاجداد -ولو بشطر بيت- يضفي على قصيدته الرائعة جسر تواصل بين الماضي والحاضر تورق فيها بصمته وتزهر فيها خصوصيته!
مع خالص التحايا لإبداعه المتميز!
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق