الأربعاء، 28 يوليو 2021

دع عـنك حـالي لا تسل // بقلم الشاعر المبدع // دكتور ثائر السامرائي

 دع عـنك حـالي لا تسل

عـن دمـعة بـين المقل


عـن صوت آهاتي التي

قـد قـاتلت حتى الامل


عـن زيـف أحـلام هوت

فـي بحر ليل ما اكتمل


وتـفوت عـمري للأسى

وتـعود حـبلى بـالخجل


فــكـأنـهـا تـنـتـابـنـي

حـيـنا إذا قـلبي امـتثل


وأطـل مـن بـاب الرجا

لأصـد وهـما ما اندمل


وألــود بـعـد هـزيمتي

بـضـياء فـجر مـا أهـل


وأجـوب أطـياف المنى

وجـدا ومـا عـني سأل


وأذوب مــثـل سـحـابة

بـنزيفها الـقلب اغتسل


فـأصـب جــم تـصـبري

صـمـتا أتـاني وارتـحل


وأرى حـتوف مـدامعي

بـمـرار يـوم قـد غـفل


وأظــل بـين مـواجعي

فـألـفـتها مــنـذ الأزل


ولـبـست تـيـجان الـعنا

عـمرا ومـا لـيلي عدل


فـلـقـيـتني مـتـغـربـا

وبـذي همومي لم أزل


فـأتـيـتـني مــتـسـائلا

حـتام أبـكي مـن رحـل


وأفـوت أوطـاني الـتي

مـن كأسها عمري ثمل


فـيـبـيـعني لـمـتـاهـة

مـن قـيظها قلبي هزل


ويـضـيق صـدري كـلما

أيـقضت حـلما قد وجل


فـيـصيبني بـحشاشتي

وبـكاء روحـي والـمقل


ووصـلـت أيــام الـنوى

ولـحقت نـجما قـد أفل


فـنذرت روحـي لـلكرى

ولـموطن مـثلي هـزل


وكـتـبت تـأريخ الـردى

ونـسـيت مـيلادا كـهل


وفـتنت فـي مـا لـم ار

وبـدمعتي القلب احتفل


وتـجـيـئـني مـتـسـائلا

عن سر دمع في المقل


يـا صـاحبي إنـي الذي

من صبره الكون انذهل


فـامضي بـدربك راشدا

عـن كنه حزني لا تسل


ثــــائر الــسـامـرائي



الثلاثاء، 27 يوليو 2021

يــا قـاتـلي مــا أعـدلك // بقلم الشاعر د. ثائر السامرائي

 يــا قـاتـلي مــا أعـدلك

تـحـيا وقـلبي قـد هـلك


قـد كـنت سلطان الحشا

مـذ جـئتني فـالوجد لـك


كـنت الـهوى في واحتي

يــا قـبـلة مـا اسـتبدلك


ويــراك يــا روح الـمنى

فـي كـل درب قـد سلك


يـهـواك والـعمر ارتـوى

بـعـبـير نــبـض فـضـلك


فـأتـيـتـنـي مــتـحـيـرا

مــا بــال قـلـبي رتـلك


ويـراك في وحي الدجى

إن زاغ لـيـلـي أو حـلـك


فـصنعت من طوق الرجا

إكـلـيـل شـــوق بـجـلك


وكـتمت عـشقي خـشية

وبــذي ضـلوعي أنـزلك


وكـتـبـت الـــف حـكـاية

وبـدأتـها مـذ صـرت لـك


وتــكـحـلـت أوراقــهــا

بـحروف روحي من ملك


وبـقيت فـي عـهد الـوفا

رغـم النوى ما استاصلك


كـلا ولـم يـخف الأسـى

لــو ظــن لـيلي أوجـلك


فـعلام يـا شـمس الـدنا

تــدنـو بــخـوف كـبـلك


وتـهـاب مـن بـوح الـلقا

وكــأن وصـلـي أغـفـلك


وتـذوب من فرط الجوى

كـالـجمر بـعدي أشـعلك


وتـقـول مــا بـال الـهنا

فــي كـنـه حـزن أنـزلك


وتـعيش فـي تـيه الكرى

مـذ صـمت نـبضي ظللك


وتـجـوب افــلاك الـضـنا

مــن بـعـد عـشق دلـلك


وتـبيت فـي فيض الشقا

والـفجر شـمسا ارسـلك


وتـكـابر الـشـوق الـذي

أدمـــى غـرامـا كـحـلك


فـــإلام تـخـفـي لـوعـة

إنـــي اراهـــا مـقـتلك


وكـتـبت فـيـك مـلامتي

لـحـنـيـن ثــغـر قـبـلـك


يكفي ملامي في الجوى

وكــــذا لــدمـع بـلـلـك


فــلـتـأتـنـي مــتـأبـطـا

شوقي فقلبي استعجلك


ثـــائــر الــسـامـرائـي



الأربعاء، 21 يوليو 2021

في البديع والبيان// للاستاذ خالد خبازة // الجزء الثاني (٢)

 في البديع والبيان (٢)

للأستاذ خالد خبازة 

  


*********

( القسم الخامس )




رابعا : الطبـــــاق .. أو المطابقة    :

 


     المطابقة في الكلام  .. ان يأتلف في معناه .. ما يضاد في فحواه 


    و الطباق أو المطابقة  ..

 هو في المعاني  .. ضد التجنيس فهو في الألفاظ   .. 

لأن التجنيس  هو أن يتحد اللفظ  مع اختلاف المعنى ..  أي أن المعنيين متضادان 

   و الطباق  ..  أحد أفرع علم البديع    .كما جاء في كتب التراث  .. 

   و قد أجمع أرباب هذه الصنعة ..  

على أن المطابقة في الكلام .. هي الجمع بين الشيء و ضده ،  

كالسواد و البياض .. و الليل و النهار . 

 و هو

 علم يعرف به وجوه تحسين الكلام ، بعد رعاية تطبيقه على مقتضى الحال ، و وضوح الدلالة . وهو ضربان :

 ضرب  يرجع الى المعنى , 

 و ضرب يأتي على اللفظ . 

أما  المعنوي فمنه :


   المطابقة  و تسمى  الطباق ، أو التضاد أيضا  . 


   يقال :

 ان أصل الطباق ، من قول العرب :

 طابق البعير في مشيه 

 و هو اذا وضع خف رجله ، موضع  خف يده .

و    ذكر الأصمعي  المطابقة.. فقال : 


    أصلها وضع الرِّجل في موضع اليد ، في مشي ذوات الأربع ..  

و أنشد للنابغة الجعدي : 


 و خيل يطابقن بالدارعين ...طباق  الكلاب  يطأن الهراسة


    والطباق  .. 

 هو الجمع بين المتضادين ، أي معنيين متقابلين في الجملة . 

و يكون ذلك .. اما بلفظين من نوع واحد .. و قد  يكونا أسمين 

 كقوله تعالى  : 


"  و تحسبهم أيقاظا ، و هم رقود  "  . 


أوأن يكونا  فعلين  ، كقوله تعالى  :  


"  تؤتي الملك من تشاء ، و تنزع الملك ممن تشاء ، و تعز من تشاء ، و تذل من تشاء  " . 


   فهنا نلاحظ الأضداد في الأسماء 

( أيقاظ ، و رقود )

 كما نلاحظها في الأفعال 

(في .. تؤتي و تنزع .. و في  :  تعز و تذل ) 


    و قول أبي صخر الهذلي :


    أما و الذي أبكى و أضحك و الذي ...أمات و أحيا ، و الذي أمره الأمر 


    نلاحظ هنا الأفعال ،

 أبكى و أضحك ، 

و كذلك ، 

أمات و أحيا .

و قد يكون الطباق بين حرفين 

 كقوله تعالى : 

"  لها ما كسبت ، و عليها ما اكتسبت  " . 

و هنا نلاحظ وجود الطباق في الحرفين :

 لها ، و عليها . 


   و كقول الشاعر أيضا  :

على أنني راض  بأن أحمل الهوى... و أخلص منه .. لا عليا و لا ليا 


كما في الحرفين : عليا ، و ليا ... 


    كذلك قد يكون الطباق بن لفظين من نوعين مختلفين ، أي بين اسم و فعل 

كقوله تعالى : 

"  أو من كان ميتا ، فأحيينا .." أي ضالا فهديناه . 

الطباق هنا بين الاسم " ميتا " و بين الفعل " أحيا " .

و كقول طفيل الغنوي : 


           بساهم الوجه لم تقطع أباجله ... يصان  وهو ليوم الروع مبذول 


الطباق هنا بين الفعل " يصان "  و الاسم " مبذول " .


و من لطيف الطباق و المستحسن منه قول ابن رشيق القيرواني :


و قد أطفأوا شمس النهار و أوقدوا...نجوم العوالي ، في سماء عجاج

 

 الطباق هنا بين  كلمتي : أطفأوا ، و أوقدوا 


و قد ينقسم الطباق الى طباق الايجاب .. كما ورد في الأمثلة السابقة ، 

و الى طباق السلب .

و طباق السلب ، 

و هو الجمع بين فعلين من مصدر واحد ، أحدهما مثبت ، و الأخر منفي  ، 

أو أمر و نهي ،  

 كقوله تعالى :

"  و لكن أكثر الناس لا يعلمون ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا " . 


نلاحظ هنا الطباق بين : لا يعلمون .. ثم .. يعلمون 


و كقوله تعالى :


"   فلا تخشوا الناس و اخشون .. " 

و كقول الشاعر :


و ننكر ان شئنا على الناس قولهم ...و لا ينكرون القول حين نقول 


و قول المتنبي :


و لقد عرفت و ما عرفت حقيقة...و لقد جهلت و ما جهلت خمولا


و من الطباق أيضا .. قول أبي تمام :


تردى ثياب الموت حمرا فما أتى ...لها اليوم  الا و هي من سندس خضر


و من أشهر  أقسام المطابقة .. قول  دعبل الخزاعي  :


لا تضحكي  يا سلم من رجل ...ضحك المشيب برأسه فبكى 


و قول  مسلم بن الوليد " صريع الغواني " : 


مستعبر يبكي  على دمنة...و رأسه يضحك فيه المشيب  


و من الطباق  قولي من قصيدة .. الشاعر و القصيد    : 


نرنو بآذاننا يشدو على وتر ... فتمعن العين .. حتى يرتوي النظر

كأنما الأذن قد تاقت لرؤيته ... حتى تصارع فيه السمع  و البصر


و الطباق هنا بين..   السمع ..  و البصر  


و أقول أيضا :  


تهون عندي  صعاب الأرض قاطبة  ... و لو وضعت على صعب يدي سهلا



و في الحقيقة ، فان للطباق أنواعا كثيرة .. و قد بحثنا في أهمها .. و البحث يطول فيها , مكتفين بما أوردناه . 


و لا بد من القول  أخيرا  .. أن الفرق بين المطابقة .. و المقابلة  ..  

أن المطابقة لا تكون الا بالأضداد  .. 

 في حين أن المقابلة تكون .. بالأضداد و بغير الأضداد  





*****











خامسا :  التورية : 


التورية 

هي أن تكون الكلمة تحمل معنيين انثنين  .. فتريد أحدهما ، فتوري عنه بالأخر .. 

و هي تسمى .. الايهام أيضا .. 

و هي أن يطلق لفظ  له معنيان  : 

معنى قريب .. و معنى بعيد  .. 

و أنت تريد منه المعنى البعيد  .   


كقول البحتري :


مرية بالحسن ، تملح بالقلوب و تعذب 


أراد الملاحة ، و لم يرد الملوحة .. 

فورّى عن ذلك ( من التورية ) بقوله  و تعذب . 


و كقول أبي تمام :


قمر ألقت جـــــواهره ...في فؤادي جوهر الحزن

كل جزء من محاسنه ....فيه أنــواع من الفتــــــن


أراد جوهر المتكلمين .. لا جوهر الملوك . 


و من أجمل  التوريات  :  


  فلما نأت عنا العشيرة كلها ... أنخنا فحالفنا السيــوف على الدهر

  فما أسلمتناعند يوم كريهة ... ولا نحن أغضينا الجفون على وتر


فالاغضاء  ، مما يلائم جفن العين ، لا جفن السيف ، 

و ان كان المراد اغماد السيوف ، لأن  السيف اذا أغمد ، انطبق الجفن عليه ، و اذا جرد ، انفتح للخلاء بين الدفتين  .


  قال عمر بن أبي ربيعة  


    أيها المنـــكح الثــريا سهيلا...عمـــرك الله  كيف يلتقيان 

    فالثريا شآمية اذا ما استقلت...و سهيل ..اذا استقل يماني 


   الثريا في البيت الأول  اسم  لمجموعة نجوم  في النصف الشمالي من السماء و و هي من منازل القمر الشآمية ..  و سهيل نجم في النصف الجنوبي منها و هو من النجوم اليمانية  .

 و الثريا و سهيل  في البيت الثاني  اسمان لشخصين ..  فالمسافة التي  تفصل الأنجم عن بعضها يستحيل التقاؤها  

و الشاعر ورى بهما عن الثريا وسهيل الأدميين  . 

و الشاعر  أوهم السامع أنه يريد النجمين .. في حين أنه يقصد الآدميين  .


 و لم أقرأ تورية أطرف و أظرف  ..  من قول أبي الحسين الجزار    :


    كيف  لا أشكر الجزارة ما عشـ ...ــت حفاظـــا و أهجـــر الآدابـــا 

    وبه اصارت الكــــــلاب ترجيـ ...ــني وبالشعر كنت أرجو الكلابا 


    فهو لم يقصد الكلاب و ربما كان  قصد الولاة و الحكام  حيث كان يستعطفهم بالمديح  




*****



سادسا - المقابلة : 


أن يأتي الشاعر بمعنيين متوافقين ، أو بمعان متوافقة ، ثم بما يقابلهما أو يقابلها على الترتيب .

 و المراد التوافق .. خلاف التقابل .

 و قد تتركب المقابلة من طباق و ملحق به . 

 مثال مقابلة اثنين باثنين . مثال قوله تعالى :

"   فليضحكوا قليلا ، و ليبكوا كثيرا  " .

و كقول النابغة الذبياني : 

فتى تم فيه ما يسر صديقه ...على أن فيه ما يسوء الأعاديا 


   و عرف  ابن رشيق القيرواني المقابلة في كتابه  "  العمدة في محاسن الشعر و آدابه " بأنها  

مواجهة الفظ بما يستحقه في الحكم  .. 

 و أصلها تركيب الكلام على ما يجب  ،  فيعطي  أول الكلام  ما يليق به  أولا  ..  و يعطي  آخر الكلام منا يليق به آخرا  ..

 و يأتي  في الموافق ما يوافقه .. و في المخالف ما يخالفه .

و أكثر ما تجيء في الأضداد .. فاذا جاوز الطباق  ضدين ..كان ذلك مقابلة   

كقول بعضهم : 

فوا عجبا كيف اتفقنا فناصح ... وفيٌّ ، و مطوي على الغل غادر 


فان الغل ضد النصح ، و الغدر ضد الوفاء .


و قول أبي الطيب :


فلا الجود يفني المال و الجد مقبل...و لا البخل يبقي المال و الجد مدبر


   و مثال على المقابلة أربع بأربع ..

 و بالأحرى خمس بخمس 

كما في هذا البيت الرائع  لأبي الطيب المتنبي .. ليس من حيث المعنى فقط ، و انما أيضا من حيث المقابلة ،

 و الذي لم يأت احد من الشعراء بمثله من حيث اتيانه بخمس طباقات في بيت واحد ، و هي مقابلة غاية في الروعة و الجمال  :


أزورها و سواد الليل يشفع لي...و أنثني و بياض الصبح يغري بي


و يقول ابن أبي الاصبع عن  هذا البيت في كتابه " تحرير التحبير ي صناعة الشعر و النثر "   :


"  فانه .. أي المتنبي ..  جمع بين عشر مقابلات    ..

 قابل  : أزور  بأنثني ، 

و سوادا ببياض ،  

و الليل بالصبح ، 

و يشفع بيغري ، 

و لفظة لي بلفظة بي  ، على الترتيب  .. 

و لا أعلم في باب التقابل ، أفضل من هذا البيت ، لجمعه من المقابلات ، ما لم يجمعه بيت لشاعر قبله  و لا بعده ، حتى يومنا هذا ، مع ما فيه من تمكين قافيته   "


   و عرف أبو هلال العسكري المقابلة في كتابه " الصناعتين " :


   ايراد الكلام ..  ثم مقابلة مثله في المعنى و اللفظ ، على جهة الموافقة  ، أو المخالفة .

 فأما ما كان منها في المعنى ،

 فهو مقابلة الفعل بالفعل ، كقوله تعالى : 


   "  فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ." 


فخواء بيوتهم و خرابها بالعذاب مقابلة لظلمهم .


و نحو قوله تعالى / 


"   فمكروا مكرا , و مكرنا مكرا " 


فالمكر من الله تعالى .. العذاب  ـ  مقابلة لمكرهم  بأنبيائه و أهل طاعته  . 

و قوله تعالى : 


" نسوا الله فنسيهم " 


و قوله أيضا : 


" ان الله لا يغير ما بقوم ، حتى يغيروا ما بأنفسهم "


و من ذلك قول  تأبط  شرا :


أهز به في ندوة الحي عطفه ...كما هز عطفي بالهجان الأوارك 


و قول الأخر : 


و من لو أراه صاديا لسقيته...و من لو رآني صاديا لسقاني

و من لو أراه عانيـــا لفديته...و من لو رآني عانيـــا لفداني


فهذا مقابلة باللفظ و المعنى .. 


أما ما كان منها بالألفاظ .. 

كقول عدي بن الرقاع :


و لقد ثنيتُ يد الفتاة وسادة...لي جاعلا احدى يديَّ وسادها 


و قال  عمرو بن كلثوم : 


ورثناهن عن آباء صدق...و نورثها اذا متنا البنينا


أما فساد المقابلة ..  

أن تذكر معنى تقتضي الحال ذكرها بموافقة ، أو بمخالفة ..  فيؤتى بما لا يوافق ، و لا يخالف  ..  كأن تقول  : 


فلان شديد البأس  ، نقي الثغر ... أو جواد الكف ، أبيض الثوب 

 . 

أو تقول  : 


ما صاحبت خيّرا ، و لا فاسقا ... و ما جاءني  أحمر ، ولا أسمر  . 


   ووجه الكلام  أن تقول  :  


   ما جاءني  أحمر ، و لا اسود  ..  و ما صاحبت خيّرا ، و لا شرير .. 

 و فلان  شديد البأس ، عظيم النكاية  ..  و جواد الكف ، كثير العرف . .

 و ما يجري مع ذلك  . 

لأن السمرة لا تخالف السواد  غاية  المخالفة  .. و نقاء الثغر  ، لا يخالف شدة البأس ، و لا يوافقه ..  

و على ذلك القياس  .  

و    من سوء المقابلة  قول امرئ القيس  : 


فلو أنها نفس تموت سوية و لكنها نفس تساقط أنفســــا 


فليس سوية ، بموافق  لتساقط ،  و لا مخالف له .

و من المقابلة .. ما ليس مخالفا ، و لا موافقا .. الا  في الوزن و الازدواج  .. 

 و يسمى الموازنة  .

 نحو  قول النابغة الذبياني  : 


   أخلاق مجد تجلّت ما بها خطر...في البأس و الجود .. بين  الحلم و الخبر  


   و على هذا الشعر  .. حشا النعمان فم  النابغة درا .

    و ينضاف الى هذا القول  ..  قول المتنبي :


نصيبك في حياتك من حبيب ... نصيبك في خيالك من منام 


و من أجمل الموازنات :


لكفّاك أندى من غيوم سواجم ... و عزمك أمضى من حسام مهند 


فكل لفظة من القسم الأول  .. موازنة لأختها من القسم الآخر موازنة عدل و تحقيق 



. و من المقابلة  قولي   في قصيدة "رسالة الى ولدي " :


واربأ بنفسك عن ظلم ومعصية ... فالظلم ما إن يطل لا بد مرتحـل


فلن يقال الذي غال الورى رجل...لكن من يتقي ظلم الورى الرجل


و قولي أيضا  :


هيهات ينفع في رد الهوى حذر ... لو كان ينفع في رد الهوى الحذر 


و هناك من يسميه  بـ  "  الترديد  "   


   و الترديد  هو 

   رد أعجاز  البيوت  على صدورها  ..  أو رد كلمة في النصف الأول  ، الى النصف الثاني  ..  


كقول بعضهم: 


سريع الى ابن العم يجبر كسره ... و ليس الى داعي الخنا بسريع 


و قول زهير  :


ان تلق يوما على علاته هرما ...تلق السماحة منه و الندى خلقا 


و للفرزدق  


أصدرْ همومك لا يقتلك واردها ...فكل واردة يوما لها صدر 


و لأبي حية النميري هذا اليت الجميل :


اذا ما تقاضى المرء يوم و ليلة ...تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا 


و للعرجي  قوله :


الليالي اذا نأيتـــم طوال ...و الليالي اذا دنوتم قصار 

و ثنائي عليك غير ثناء ...ان تقربت أو نأت بك دار


و لي في هذا الموضوع قولي   :


و اسلك سبيل الألى في كل مأثرة ... فمن مآثرهم ما يضرب المثل 

فليس من مات في عرف الورى جلل...لكنه جلل .. ان ماتت المُثل 


و قولي في القصيدة نفسها : 


و اعملْ  برأيكَ لكنْ غيرَ مرتجـــلٍ...فليسَ  ينفـعُ  رأيٌ حينَ    يُرتجل





********

( البحث السادس ) سابعا : الالتفات : هو الاعتراض عند قوم .. و سماه البعض الاستدراك .. و سبيله .. أن يكون الشاعر آخذ في معنى .. ثم يعرض له غيره .. فيعدل عن الأول الى الثاني فيأتي به .. ثم يعود الى الأول لتكملة المعنى .. كقول كثير : لو أن الباخلين ، و أنت منهم ...رأوك ، تعلموا منك المطالا فقوله : و أنت منهم .. هو الالتفات .. أو الا عتراض و قال النابغة الذبياني : ألا زعمت بنو عبس بأني ...ألا كذبوا.. كبير السن فاني فقوله : ألاكذبوا .. اعتراض ، و هو الالتفات . و أنشدوا في لالتفات لبعض العرب فظلوا بيوم ، دع أخاك بمثله ...على مشرع يروي و لما يصرّد و هذا التفات مليح في قولك " دع أخاك بمثله " و قال جرير يرثي امرأته أم حرزة : نعم القرين- و كنت علق مضنة ...وارى بنصف بليــــة الأحجــــــار فقوله : و كنت علق مضنة .. هو الالتفات و قال عوف بن محلم لعبدالله بن طاهر ان الثمانين .. و بلّغتها ... ...................قد أحوجت سمعي الى ترجمان قوله : و بلغتها .. التفات رائع و من أجمل الالتفاتات .. قول النابغة الذبياني : و لست بمستبق أخا لا تلمّه ...على شعث - أي الرجال المهذب و الالتفات هنا في قوله .. أي الرجال المهذب عن اسحق الموصلي أنه قال : قال الأصمعي : أتعرف التفات جرير ؟ قلت : و ما هو ؟ فأنشدني : أتنسى اذ تودعنا سليمى ... بعود بشامة .. سقي البشام ثم قال : أما تراه مقبلا على شعره ، اذ التفت الى البشام داعيا له و هذا من أجمل الألتفات وأنشد له عبدالله بن المعتز ، و هو الآخر التفات جميل متى كان الخيام بذي طلوح ...سقيت الغيث أيتها الخيام و من الالتفات الجميل قول زهير بن أبي سلمى سئمت تكاليف الحياة و من يعش ...ثمانين حولا - لا أبالك - يسأم ففي قوله .. لا أبالك .. التفات جميل جدا أيضا و قد أحسن ابن المعتز في العبارة عن الالتفات بقوله .. انه " انصراف المتكلم من الاخبار الى المخاطبة .. و من المخاطبة الى الاخبار .. و ما يشبه ذلك من الالتفات .. الانصراف من معنى يكون فيه ، الى معنى آخر " . و تلا قوله تعالى : " حتى اذا كنتم في الفلك ، و جرين بهم بريح طيبة " و من مليح الالتفات .. قول نصيب : وددت و لم أخلق من الطير أنني ...أعار جنـــاحي طــــائر. فأطير فقوله : و لم أخلق من الطير .. منتهى الجمال في الالتفات و من المستحسن في الالتفات .. قول عدي بن زيد العبادي وهو في حبس النعمان يخاطب ابنه زيدا و يحرضه : فان كنت الأسير .. و لا تكنه...اذا لقد علمت معد ما أقول و في قول المتنبي مخاطبا سيف الدولة : فان تفق الأنام - و أنت منهم ... فان المسك بعض دم الغزال أنت منهم هو الالتفات أقول في قصيدة " دع الشمسي تشرق " : فالقـوام الرشيـق ، ينسـاب حسنــًا ... في اعتــدال ، أفــدي القــوام الرشيقــــــــا الالتفات هنا في قولي : أفــدي القــوام الرشيقــــــــا كما أقول في فصيدة أخرى : و الناهدان – فديتهن – فراشة ... تعب الجناح بها فرف رفيفا و يعتبر العلم الالتفات من محاسن الكلام .. ووجه حسنه على ما ذكره الزمخشري .. أن الكلام اذا نقل من أسلوب الى أسلوب .. كان ذلك أحسن نظرية لنشاط السامع ، و أكثر ايقاظا للاصغاء ، اليه من اجرائه على أسلوب واحد . و منهم من بسمي الالتفات ب " الحشو " .. و هو غير الحشو المقصود باللفظ غير المفيد أو الحشو السديد في اللفظ المفيد : و أرى أن هذه التسمية أي الالتفات .. هي تسمية أكثر جمالا وتعبيرا عن هذا المحسن البديعي . قال أبو الشيص الخزاعي : ان الثمانين و بُلّغتها ... قد أحوجت سمعي الى ترجمان ( تنسب أكثر كتب التراث هذا البيت الى عوف بن محلم السعدي الشيباني ) قوله : و بلغتها : حشو سديد ، و قد أفادت من الدعاء معنى جيدا ، و أنشد اليزيدي : فمن بالعين التي كنت مرة اليّ بها ، نفسي فداؤك ، تنظر قوله : نفسي فداؤك ، كقوله : و بلغتها ، في الدعاء . و قال أبو الوليد عبدالملك بن عبدالرحمن الحارثي : فلو بك ما بي ، لا يكن بك ، لاغتدى ... و راح اليك البرّ بي و التقرب قوله : لا يكن بك ، حشو حسن . و أنشد أبو عمرو بن العلاء لشاعر جاهلي في الجمل : و عود قليل الذنب عاودت ضربه... اذا هاج شوقي ، من معاهدها ذكــــــر و قلت له ذلفاء ، ويحك ، سببت .... لك الضرب فاصبر ان عادتك الصبر أخذ ابن المعتز هذا المعنى فقال : و خيل طواها القود حتى كـــأنها ... أنابيبُ سمرٌ من قنا الخط ، ذُبّل صببنا عليها ، ظالمين ، سياطنا ... فطارت بها أيدٍ سراعٍ ، و أرجل قوله : ظالمين ، مثل قوله ، قليل الذنب ، فهذا من الحشو السديد ، في اللفظ المفيد . أما اذا كان الحشو ، كقول أبي العيال الهذلي : ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس و الوصبُ فالصداع لايكون الا في الرأس ، و ذكر الرأس حشو غير سديد ، و مثله قول ديك الجن : فتنفستْ في البيت اذ مُزجت ... بالماء و استلّت ســـنا اللهب كتنفس الريحان خالـــــــطه ... من ورد جور ناضر الشعب فذكر المزج يغني .. و ذكر الماء زيادة لا يحتاج اليها ، و لقد قصر عن قول أبي نواس : سلوا قناع الطين عن رمق ... حي الحياة مشارف الحتف فتنفست في البيت اذ مزجت ... كتنفس الريحان في الأنف ***** ثامنا - التقسيم .. و التجزئة : آ - التقسيم : اختلف الناس في التقسيم .. فبعضهم يرى .. استقصاء الشاعر جميع أقسام ما ابتدأ به ، كقول بشار بن برد يصف هزيمة : بضرب يذوق الموت من ذاق طعمه ... و يدرك من نــجى الفرار مثالبه فراح فريق في الأسارى ، و مثلـــــه ... قتيل ، ومثل لاذ بالبحــر هاربـه فالبيت الأول قسمان : اما الموت .. و اما حياة تورث عارا و مثلبة , و البيت لثاني ثلاثة أقسام : أسير ، و قتيل ، و هارب .. فاستقصى جميع الأقسام .. و لا يوجد في ذكر الهزيمة زيادة على ما ذكر . و مثل ذلك قول عمرو بن الأهتم .. الا أنه أكثر ايجازا : اشربا ما شربتما فهذيل...من قتيل و هارب و أسير فجمع الوجوه كلها في مصراع واحد و التقسيم كما جاء في بعض كتب التراث : هو أن يقسم المعنى الى أقسام تستكمله ، فلا تنقص عنه ، و لا تزيد عليه .. كما قال بعضهم : و العيش شح و اشفاق و تأميل و قال بعض العرب و هو يسأل : رحم الله امرءا أعطى من سعة ، أو واسى من كفاف ، أو آثر من قلة . و أنشد سيبويه في كتابه : فقال فريق القوم لا ، و فريقهم ...نعم ، و فريق قال ويحك ، ما ندري و البيت لنُصيب و هو تقسيم جيد .. فلم يبق جواب ، سائل الا أتى به ، فاستوفى جميع الأقسام ، و يعتبره البعض أفضل بيت وقع فيه تقسيم . و من أشرف المنثور في هذا الباب .. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " و هل لك يا ابن آدم من مالك .. الا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيت " فلم يبق عليه الصلاة و السلام قسما رابعا لو أنه طلب .. أن يوجد . و قال زهير : فان الحق مقطعه ثلاث ... يمينٌ أو نفارٌ أو جلاء ومنه : ترتاح ان رشدوا ، و ترشد ان غووا ...و تجيب ان نادوا ، و تأنس ان دعوا فالحـــق أبلــج .. و المهابـــــة تتقى ... و المال ينثر .. و المناقب تجمـــــع و منه قول البحتري : فالخيل تصهل ، و الفوارس تدعي ... و البيض تلمع و الأسنة تزهر و قال بعضهم عيرتني .. ترك المــدام و قـالت...ما جفـــاها من الكـــــرام لبيب هي تحت الظلام نور و في الأكـ ...ــباد برد وفي الصدور لهيب قلت يا هــــذه .. عدلــــت عــن الـــرشــ ...ـــــد .. أما للرشــــاد منــــــك نصيب انها للمستور هتـــــك .. وللألــــــــــــبا ...ب فتك .. و في المعــــاد ذنـــــــوب و لغيره في الفرس : خير ما استطــــرف الفوارس طرف ...كل طــــرف لحسنــــــه مبهوت هو فوق الجبال وعل ، و في الســهـ ...ــل غزال ، و في المعابر حوت و قال آخر وهو الناشئ الأكبر ( عبدالله بن المحمد الناشئ الأنباري ) : رأيت على أكوارنا كل ماجد ... يرى كل ما يبقى من المال مغرما نقوّم أسيافا .. و نعلو اسنــة ... و ننقض عقبانا .. و نطلع أنجمــا و يعتبر أبو العيناء أن خير تقسيم قول عمر بن أبي ربيعة : تهيم الى نعم ، فلا الشمل جامع...و لا الحبل موصول و لا أنت مقصر و لا قرب نعم ان دنت لك نافع ...و لا نأيهـــا يسلي .. و لا أنت تصبر و اختار أخرون قول بكر بن النطاح : فلا كبدي تبلى .. و لا لك رحمة... و لا عنك اقصار .. و لا فيك مطمع و يرى الفرزدق أن أكمل بيت قالته العرب .. قول امرئ القيس له أيطلا ظبي .. و ساقا نعامة ... و ارخاء سرحان .. و تقريب تتفل و حدث أبو القاسم الآمدي في كتاب الموازنة بين شعري الطائيين ، قال : سمع بعض الشيوخ من نقدة الشعر ، قول العباس بن الأحنف : وصالكم هجر، و حبكم قـلى ... و عطفكم صد ، و سلمكــم حرب فقال : والله هذا أحسن من تقسيمات اقليدس . و قول أبي الطيب المتنبي في هذا الفن ، أولى بهذا الوصف : ضاق الزمان ووجه الأرض عن ملك...و أرضهم لك مصطـــــاف و مرتبـع للسبي ما نكحــوا ، و القتــل ما ولـدوا...و النهب ما جمعوا و النار ما زرعوا و قوله : فلم يخـــــل من نصر من له يد...و لم يخــل من شكـر من له فــم و لم يخل من أسمائه عود منبر...و لم يخل دينار و لم يخل درهم و قوله : قليل عائدي ، سقم فؤادي ...كثير حاسدي ، صعب مرامي عليل الجسم ممتنع القيام...شديد السكر من غير المــــدام و هناك التقطيع .. و يعتبره البعض من أنواع التقسيم .. فقد أنشد الجرجاني قول النابغة الذبياني : و لله عينــا من رأى أهــل قبة ...أضر لكن عادى ، أو اكثر نافعا و أعظم أحلاما ، و أكبر سيدا... و أفضل مشفوعا اليه ، و شافعا و في هذا الموضوع أقول في قصيدة : و لكـن قلـــبي أوصدتـــه ..و أغلقته دون كر ، و فر فعيش المحبين حلو و مر...و هم وغم .. و حر و قر .. أما التجزئة .. و هي تشبه كثيرا التقسيم .. و لا أرى فيه هذا الفارق .. فهو كما جاء في كتب التراث أن يكون البيت مجزءأ الى ثلاثة أجزاء أو أربعة .. كما يقول المتنبي : فنحن في جزَلٍ ، و الرومُ في وجلٍ ... و البحر في خجلٍ ، و البر في شغلِ و في البيت المذكور أنواع من الطباق . أو المطابقة بالاضافة الى التجزئة و هو أيضا من أنواع البديع و مثله قول الآخر و صالكم صد ، و حبكم قلى....و انصافكم ظلم ، و سلمكم حرب و لي من قصيدة بعنوان " سيمفونية الطبيعة و الحياة " : ليعجب روحي هديل الحمام ...على أيكة .. و حفيــف الشجر و أطـــلال كــــوخ على تلة ...كأن بـــه من سقوط حـــــــذر و برعم زهر.. وبسمة ثغـر...و نفحة عطر .. و حلم نضر و أقول أيضا : و كيف نرقى اذا كان الهوى شعبا ... و الفكر مرتهنا .. و العقل معتقلا و أيضا أقول : فقلت و قد حرت في خافقي ... و أجت به نــــــــاره فاستعر ليعجبنيي منك سحر العيون ... و همس الجفون و بعد النطر و أقول أيضا : و ضاقت علينا فسحة الليل بعدما ... مضى الليل يجري مسرعا ..و يهرول فرقت حواشيـــه ..و اينع فجـره ... و رحب بالنــــور الربى .. أوتـــهلل و غارت نجيمات .. و مالت كواكب... وولى دجى ليــــل .. و نـــوّر مشعل *****


---------**********

( القسم السابع )




تاسعا : التطريز :

    

    التطريز  

   و لا نعني به التطريز كما يسميه البعض في السجالات الشعرية  في منتديات  الشبكة الالكترونية  .. 

و انما  هو نوع من أنواع المحسنات البديعية  في الشعر العربي لاعلاقة  له بما يسميه البعض تطريزا في السجالات المذكورة  .

    

       فالتطريز ..  أو التوشيع كما يسميه آخرون   

       هو كما جاء في كتاب الصناعتين لابي هلال العسكري :

 أن تأتي  في أبيات متتالية  من القصيدة ..  كلمات متساوية في الوزن ، فيكون فيها كالطراز في الثوب  .. و هو قليل  في الشغر  


   و أحسن ما جاء  في هذا النوع من البديع  : 


     اذا أبـو قاسم جـــادت لنـا يــــده ... لم يحمد الأجودان ..  البحر و المطر

     و ان أضاءت لنا أنـــوار غرتـه... تضاءل الأنوران ..  الشمس  و القمر

     و ان مضى رأيه أو حد عزمـته... تاخر الماضيان ..  السيف و القـــــدر

     من لم يكن حذرا من حد صولته... لك يدر ما المزعجان الخوف و الحذر


فالتظريز في قوله:

 الأجودان : البحر و المطر

و الأنوران : الشمس و القمر 

 و الماضيان : السيف و القدر  ،

 و المزعجان : الخوف و الحذر


و كذلك ..  كقول أبي تمام :  


عوام وصـــل كاد ينسى طيبها... ذكر النـــوى ، فكانــــها أيــام

ثم انبرت أيــــــام هجر أردفت...نجـــوى أسى .. فكأنها أعـوام

ثم انقضت تلك السنون و أهلها...فكأنها .. و كأنـــهم أحـــــــلام 


هنا تكرار  كأنها  .. هي التطريز  


    أما النويري في كتابه " نهاية الأرب في أدب الأدب "  فسماه 

" التوشيع " مشتق من الوشيعة .. وهي الطريقة في البرد ( رداء ).. 

و كـأن الشاعر أهمل البيت كله الا  آخره  فأتى فيه بطريقة تعد من المحاسن .. 

و هو عند أهل الصناعة ، 

أن يأتي الشاعر أو المتكلم ، باسم مثنى في حشو العجز ، ثم يأتي بعده باسمين مفردين ، هما عين ذلك المثنى  ، يكون الآخر منهما قافية بيته ، أو سجعة كلامه ، كأنها تفسير لما ثناه 

كقول الشاعر   و تنسب الأبيات  لـ " حنيف الدين بن عبدالرحمن  "  وهذا النوع من المحسنات  بالنسبة لآبي هلال العسكري  تطريز .. و بالنسبة للنويري  هي توشيع كما ذكرنا    :


   أمسي و أصبح من هجرانكم وصبا... يرثـــي لحـــــــالي ..  الأهـــــل و الولد 

   قد خــدد الدمــع خدي من تذكــركم ... و اعتادني المضنيان ..  الوجد و الكمـد

   غاب عن مقلتي نومي و نافرها   ...و خانني المسعدان ..  الصبر و الجـــــــلد

   لو رمت احصاء ما بي من جوى وضنى...لم يحصه المحصيان الوزن والعـدد 

   أو رمت من ضعف جسمي حمل خردلة...ما ضمها الأقويان ..الزنـد و العضـد 

   أستودع الله من أهواه كيف جرت ...بشخصنا الحالتـان  .. القــرب و البعــــــد 

   لا غرو للدمع أن تجــري غواربه  ...و تحته المضرمان ..   القلــب و الكبــــد

   كانــما كبـــدي شلو بمسبـــــــــعة ... ينتابها الضاريان ..  الذئــب و الأســـــــد 

   لم يبق غير خفيّ الروح في جسدي...فـــداؤك الباقيان ..  الـــروح و الجســـــد

   اني لأحسد في العشــــاق مصطبرا...لم يدر ما المزعجان .. الخــوف و الحسد


   أما التطريز بالنسبة للنويري .. فهو كقول ابن الرومي  : 


   أموركمُ بني خاقــــان عندي ... عجـــاب في عجـاب في عجاب 

   قرون في رؤوس في وجوه ... صـــلاب في صلاب في صلاب


و كقوله :


و تسقيني و تشرب من رحيق  ...خليـــق أن يشبّـــــه بالخلــــوق

كأن الكاس في يـدها و فيـــها  ... عقيــق في عقيـــق في عقيــــق 




*****







عاشرا :  الترصيع



والترصيع :

هو أن يكون البيت مسجوعا ، 

و أصله  من قولهم  ..

 رصعت العقد ، اذا فصّلته  ..   

كقوله تعالى :


" و لستم بآخذيه ، الا أن تغمضوا فيه " 


و مثل قول المتنبي :


في تاجه قمرٌ ، في ثوبه بشرٌ ... في درعه أسدٌ تدمى أظافره


و مثله :


كحلاء في برجٍ ، صفراء في نعج ...كأنهــا فضة قد مسها ذهـــــــــــب


و مثله :


كالبدر ان سفرت ، و الغصن ان خطرت...و الرسم ان نظرت ، معسولة الشنب


و كقول صريع الغواني : 

 

وافٍ على مهجٍ ، في يوم ذي رهجٍ ...كأنه أجـــلٌ ..  يسعى الى أمــــــــلِ


و للبحتري  : 


ما ان ترى الا توقد كـــوكب ...في قونس قد غار فيه كـــــوكب

فمجدل ، و مرمل ، و موسد ... و مضرج و مضمخ و مخضب 


و منه :


يا مستهــاما بالأعنــــــــة و الأسنــــــة و النحـــــــــورِ

لا بالخــــدود و لا القـــدود و لا النهــود و و لا الثغـورِ

تلقـــاه يوم الروع يقـــــتـلع الأســــــود عـن الصخــورِ


و منه أيضا قول الخنساء في رثاء أخيها صخر :


آبي الهضيمـة .. وثاب العزيمة متـ ...ــــــلاف الكريمة .. جــلد غير ثنيــانِ

حمّـــال ألوية .. هبـــــاط أوديـــــة ...شهـــاد أنديـــة ..  سرحـــان فتيـــــانِ

 ربـــاء مرقبة  .. منــــاع مثلبــــة ... ركــاب سلهبــة ..  قطـــاع أقــــــران 


و كقولي في قصيدة بعنوان " سيمفونية الطبيعة و الحياة " :


ليعجب روحي هديل الحمــــام ...عـــلى أيـــكة .. و حفيـــف الشجــــرْ 

و أطــــلال كوخ على تلـــــــة ...كــــأن به من سقــــــوط حــــــــــــذرْ 

و بسمة ثغرٍ ..  و نفحـــة عطرٍ...و بـــرعم زهـــرٍ ..  و حلمٌ نضـــــرْ




*****


حادي عشر  :  باب التخلص


   التخلص المليح الى الهجاء والمديح  :


أي حسن انتقال الشاعر من موضوع الى آخر .. من  النسيب  أو غيره .. الى المديح  أو الهجاء .. الخ  . 

وهو الانتقال الى موضع آخر برشاقة و شفافية  جميلة 

يقول على بن المنجم :

 سالت أبي .. و كان من فرسان العلم في الشعر ..  عن أحسن مخلص تخلص به شاعر ، الى مدح أو هجو ..  فقال :

 يا بني !.

 هذا مذهب تفرد به المحدثون ، 

فقلما يتفق الاحسان فيه لمتقدم .

 فأما ما وجدت أهلنا مجتمعين عليه ، منذ ذلك ، فقول  الحسن بن وهب :


ما زال يلثمني مـــــراشفـــه  ... يعلني الابريـــــقُ و القـدحُ

حتى استــــــرد الليلُ حليتـه  ... وبدا خــــلال سواده وضَحُ

و بدا الصبـاح كأن غرتــــه ...  وجه الخليفة .. حين يمتدح


و فال هارون المنجم :

 ان أحدا لم يتوصل  ( يتخلص ) أحد  الى مدح كما وصل الحسن بن وهب  

و انما نظر من هذا المعنى الى قول أبن الأعرابي : 


أقول و النجــــم قد مالت مياسره  ... الى الغروب تأمل نظرة حـارِ

ألمحة من سنا برق رأى بصري  ...  أم وجه نعم بدا لي أم سنا نار

بل وجه نعم بدا و الليــــل معتكر ...  فلاح من بين حجاب و أستار 


و قال حسان بن ثابت في الهجاء :


ان كنت كاذبـــة التي حدثتنـي  ... فنجوت منجى الحارث بن هشام 

ترك الأحبــة أن يقاتل دونـهم   ... و نجا برأس طمـــرّة  و لجــــام 


و للمحدثين في هذا في هذا الباب أشعار حسنة كثيرة . 


و أحسن ما تخلص به شاعر 

 قول النابغة :


فكفكــفت مني عبـــرة .. فــرددتها...على النحـــر منه .. مستهــل و دامع 

على حسن عاتبت المشيب على الصبا...و قلت ألما أصحُ والشيـب وازع

و قــد حـــال هــم دون ذلك شاغـل ...مكان شغاف تبتغيه الأصـــــــــابـع

وعيد أبي قـــابوس في غير كنهـه ...أتـاني.. و دوني راكس فالضـــوادع 

فـــبت كأني ساورتني ضئيــلة ...من الرقش ..  في أنيابها السم نــــــاقع


و هذا كلام متناسخ ، تقضي أواخره أوائله ، و لا يتميز منه شيء من شيء : 


أتــاني أبيت اللعن أنــك لمـتني ...و تلك التي تستــــك منها المسامــــــــع

مقالة أن قد قلــت سوف أنـــاله ... و ذلك من تلقــــاء مثـــــــلك رائــــــع

فانك كالليل الذي هو مــــدركي ... و ان خلت أن المنتأى عنك واســــــع


و لو توصل الى ذلك بعض الشعراء المحدثين ، الذين واصلوا تفتيش المعاني ، و فتحوا أبواب البديع ، و اجتنوا ثمر الآداب ، و فتحوا زهر الكلام..  لكان معجزا عجبا ..

 فكيف بجاهل بدوي ، ، انما يغترف من قليب قلبه ، و يستمد عفو هاجسه .

و لا شك أن هذا من أروع و أجمل ما قيل في هذا الموقع .. و في حسن التخلص .



و قال علي بن الجهم من البسيط  :



و ليلة كحــــلت بالنفس مقلتـها ...ألقت قناع الدجى في كل أخدود 

فان كان يغرقني أمواج ظلمتها...لولا اقتباس سنا وجه ابن داوود


و قال الأعرابي  الوضاح بن محمد  من البسيط :


أقـــــول و الليل قد مالت أواخره...الى الغروب تأمل نظرة حار

ألمحة من سنا برق رأى بصري ...ووجه نعم بدا لي أم سنا نار

بل وجه نعم بدا و الليل معتكر...فلاح من بين حجاب و أستار


و من بديع الخروج .. أو حسن التخلص .. 

قول علي بن الجهم يصف سحابة  :


و سارية تزدار أرضا بجودها ...شغلت بها عينا طويلا هجودهـا 

أتتنـــا بها ريح الصبــــا فكأنها... فتاة تزجّيها عجــــوز تقــــودها 

فما برحت بغداد حتى تفجــرت... بأويـــة ما تستفيـــــــق مدودها 

ولما قضت حق العراق وأهلــه ...أتاها من الريح الشمال بريدها

فمرت تفوت الطير سبقا كأنها ... جنود عبيــدالله  ولت  بنودهـــا


و من بارع الخروج قول المتنبي من البسيط : 


مرّت بنـــا بين تربيـــها فقلــــت لها...من أين جانس هـــذا الشــادن العربـا

فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى...ليث الشرى وهو من عَجل اذا انتسبا


و قد أبدع أبو تمام في وصف القريض أو القصيدة :


لم أبـــق حليـــة منطق الا و قــد...سبقت سوابقها اليــــك جيادي 

أبقين في أعناــق جودك جوهرا ...أبقى من الأطواق في الأجياد



و لي في التخلص  قولي في قصيدتي " الشاعر .. الوطن ... و الزمان :"



هتفتْ و رحبتِ الريــاضُ بركبِـه ...و شدتْ بلابلُــها .. فــردَّ و سلّما

أغوتْـــهُ أحلامُ الصِّبا و لربمـــــا...جمحَ الخيالُ به ، فصادَ الأنجمـا 

لعبــتْ بهنَّ يــــدُ الزمانِ و طالما ...ملك الزمـــانُ عنــانَه و تحكّما

حتى اذا ضحكت له قمم الربــا... عبس الزمان بوجهه ..  و تجهما




*****


ثاني عشر :  الاغراق  :  


الاغراق 

المبالغة في الشيء  ،  لفظا و معنى  .. 

كما يقول المتنبي : 


عهدي بمعركة الأمير و خيله ... في النقع محجمة عن الاحجام


و قوله أيضا : 


و اذا أشفق الفوارس من وقــ ...ــع القنا أشفقوا من الاشفاق


و منه قول الآخر : 


و مليحة الألحاظ  فاتنة ...نفاثة  بالسحر  في العقــد

ضنت بموعدها فقلت لها....يا هذه فعدي بأن تعدي



و منه  لغيره : 


فكأنما ألفاظه يوم النوى ...من رقة الشكوى دموع دموع


و في الحقيقة  فان الاكثار من مثل هذا الاغراق  هو اغراق في التكلف  .. و قد أكثر

 بعض الشعراء منه  حتى أن الذائقة الشعرية مجته :


قال بعضهم : 


عرف الهوى في الخلق مذ عرف الهوى ... بمذلة الأقـوى .. وعز الأضعف  

فلألبسن .. حمــــلت .. أم لم أحتمـــــــل ...ثوب السقام ..عطفت أم لم تعطف 


و لغيره :


و يطمع في رجعات الملو ...ل  لأن الملول  يمل المـــلال 

يكل القطيعـــة مستــــأنفا ...كما مل من قبل ذاك الوصال


ومنه لابن البياضي 


و ان تــك مثلــــما زعموا ملولا ...لمــــن تهوى .. سريع الانتقـــال

صبرت على ملالك لي برغمي ...و قلت .. عسى تمـــل من الملال





*****

( القسم الثامن )



ثالث عشر :  التسهيم  : 


   هو أن تعلم القافية  .. بما يدل عليه الكلام  في أول البيت  .. 

كقول  أبي حية النميري :


    اذا ما تقاضى المرء يوم و ليلة ...تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا

   

   و مثله : 


   أحلّتْ دمي من غير جرم و حرمت ... بلا سبــب ..  يوم اللقـــاء كلامي

   فليس الـــذي قــد حللت .. بمحـــلل ...و ليس الذي قد حرمت ..  بحرام 


   فأنت  تعرف  عندما بدأ أبو حية النميري بيته بقوله  في التقاضي  أن نهاية البيت أي القافية هو لفظة  " التقاضيا " 

   كما تدرك في المثال الثاني  أن لفظة " بحرام " هي ستكون قافية البيت  . 

و هذا ما يمكن أن أسميه  بالقافية المشرقة  .. 

أي أن قافية البيت تشرق لك قبل أن تنتهي  اليها  .

  و مثله  أيضا : 


   هو الدر  منثورا اذا ما تكلمت ... و كالدر منظوما ..  اذا لم تكلــم 


و مثله :


   ساروا وما عاجوا عليك بنظرة ...و الله يحفظ من جفاك و يصحب

   ليس التعجـــب من بكاك عليهمُ ...لكن بقاءك  و  التفــــرق أعجب




و المسَّهم ، هو الذي يسبق السامع الى قوافيه ، قبل أن ينتهي اليه راويه . 

و يقول  المظفر العلوي:..  في كتابه  " نضرة الاغريق  .. في نصرة القريض  " :

 التسهيم :

 التخطيط ، و البرد المسهم ، المخطط ، و كان الأجدر أن يقال  : 

ان التسهيم في الشعر هو التحسين له ، و التنقيح لألفاظه و معانيه ، تشبيها بالبرد المحسن بالتسهيم ، حتى يكون هذا النوع من الشعر ، معناه الى قلبك ، أسرع من الفاظه الى سمعك ، 

و لو سمي : المُطمِع ، أي من سمعه يطمع الى قول مثله – وهو من ذاك بعيد – لجاز .

قال الأخفش . و هو صاحب كتاب " القوافي " أبو الحسن سعيد بن مسعدة البخلي  و هو الي وضع تفعيلات البحر السادس عشر " المتدارك " .. يقول :

من أبرع ما قيل في التسهيم ، ما قالته الجنوب أخت عمرو ذي الكلب :


فأقمست با عمرو اذ نبّهاك ... اذن نبّها منـــك داء عضـــالا

اذن نبّها ليـــث عرّيســـــةٍ  ... مفيتا مفيدا نفــــــوسا و مــالا

و خرقٍ تجاوزتَ مجهولةٍ ... بخرقاء حرفٍ تشكى الكــــلالا

فكنت النهـــــارَ بها شمسَه ...  و كنت دجى الليل فيها الـهلالا


ثم قال : 

انظر الى ديباجة هذا الكلام ما أصفاها ، و الى تقسيماته ما أوفاها ، 

و انظر الى قولها

 مفيتا مفيدا ، 

و الى وصفها اياه في النهار بالشمس ، و في الليل بالهلال . تجد البعيد المطمع الممتنع  ، و في هذا البلغة اليسيرة .




*****












رابع عشر : الموازنــــة  :


الموازنة 


أن يأتي الشاعر بحيث يكون عدد كلمات النصف الأول ، كعدد كلمات النصف الأخير ، و تكون الآجزاء متساوية ، ومتى تغير شيء من أجزائه  اذا تقطع ، أو زاد فيها أو نقص ، لم تحصل الموازنة . 

و كذلك اذا استوت الأجزاء ، و تغيرت الكلمات ، بزيادة أو نقيصة 

 و هذا لا يكاد أن يحصل للشاعر ، الا بعد معرفة العروض .

 و أما أن يقع اتفاقا من غير قصد له ، فغير معتد بوقوعه .

 و قد اتفق وقوع ذلك في اشعار العرب ، من غير قصد له كثيرا . 

قال معقر البارقي :


و مروا بأطناب البيوت فردهم ... رجال بأطراف الرماح مساعر 


تقطيعه :

 و مرروا بأطنابل بيوت فردهم

فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن


..............................رجال بأطراف  رماح مساعر

..............................فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن


و لو تساوت الكلمات  و تماثل نصفا البيت ، و تغير شيء من الأجزاء 

لبطلت الموزنة.

 كقول الشاعر :


أفاد  فجاد ، و ساد فقاد  ....  و قاد فزاد ، و عاد فأفضل

فعول فعول فعول فعول ....   فعول فعول فعول فعولن 


فخرج عن الشرط ، لانتقال فعول الى فعولن .

و كذلك اذا تساوت الأجزاء و زاد في الكلمات  أو نقص ، لبطل الشرط ،

 كما قال الشاعر :


اذا لم تستطع شيئا  فدعه  ... و جاوزه الى ما تستطيــــــع 


النصف الأول أكثر من الآخر بكلمة ..  و أجزاؤه متساوية . 


و لي في هذا الموضوع ..القول  :  


اذا نحن  أرضينا الحياة تعنكبت ... و ان نحن  جارينا الزمان تعقربا 




****


خامس عشر : التصديــــر   :


التصدير 


و يلقبه قوم بأنه ، 

 رد أعجاز الكلام على صدوره ، 

وهو 

أن يبتدئ الشاعر بكلمة في البيت ، ثم  يعيدها في عجزه ، أو نصفه ، ثم يرده في النصف الآخير .

 و ان نظم الشعر على هذه الصفة .. تيسر استخراج قوافيه ، قبل أن يطرق أسماع مستمعيه . 

قال الأصمعي : 

من حسن التصدير قول عامر بن الطفيل ، و كذا من نقاد الشعر :


فكنت سناما  في فزارة تامكا  ... و في كل حي ذروة و سنام 


و قال قوم :

.بل من جيد التصدير قول جرير :


سقى الرمل جون مستقل ربابه ... و ما ذاك الا حب من حل بالرمل 


و قال آخرون :

 بل قول الأول من حسن التصدير :


سريع الى ابن العم ، يشتم عرضه ... و ليس الى داعي الندى بسريع


و قال أناس : 

قول بن أحمر من جيد ما قيل في التصدير و هو :


تغمّرت منها بعدما نفِد الصِبا ... و لم يروِ من ذي حاجة من تغمّرا


 التغمر : الشرب القليل . 

و قال الفرزدق :


أصدر همومك لا يقتلك واردها ... فكل واردة يوما لها صَدَرُ



وأقول  في هذا الموضوع : 


تباخلت و الهوى يحبو و ما برحت ... و ليس منها سوى التذكار ما بخلا


و أقول أيضا "


حاذرتها والعيون الخضر ترمقني ... فما عساه يفيد الواجد  الحذر




و قولي أيضا :



لكم تصورت نور الله في حدق ... حتى أرتنيه في أحداقها الصور



و التصدير كما قلنا 

أن يرد أعجاز الكلام على صدوره ، فيدل بعضه على بعض ، و يسهل استخراج قوافي الشعر  . و هو  يكسب البيت جمالا، ويكسوه رونقا و ديباجة ، و يزيده طلاوة  . 

و قد قسم هذا الباب ابن المعتز الى ثلاثة أقسام : 

أحدها : 

ما يوافق آخر كلمة في البيت ، آخر كلمة في النصف الأول منه .

 نحو قول الشاعر :


يلقى اذا ما الجيش كان عرمرما

................................ في جيش رأي لا يقل عرمرمِ


الآخر : 

ما يوافق آخر كلمة في البيت ، أول كلمة منه .. نحو قوله :


سريع الى ابن العم يشتم عرضه ... و ليس الى داعي الندى بسريع 


و الثالث : 

ما يوافق آخر كلمة في البيت بعض ما فيه ..

 كقول الآخر :


عزيز بني سليم أقصدته ... سهام الموت و هي له سهام 


و التصدير قريب من الترديد ، و الفرق بينهما ،

 أن التصدير مخصوص بالقوافي ، تُردّ على الصدور  . 

و قال جرير , و هو مستحسن  جدا :


سقى الرمل جون مستهل ربابه ... و ما ذاك الا حب من حل بالرمل 



و هناك من يسميه   "   الترديد :" 


وهي أن يأتي الشاعر بلفظة متعلقة بمعنى ، ثم يردها بعينها في معنى آخر ، في البيت نفسه  .

 نحو قول زهير : 


من يلق يوما على علاته هرما ... يلق السماحة منه و الندى خلقا 


فعلق لفظة ..  يلق بهرم ..  ثم علقها .. بالسماحة و الندى .

 و كذلك قوله :


و من هاب أسباب المنايا ينلنه ... و لو رام أسباب المنايا بسلم


و قال مجنون ليلى : 

 

قضاها لغيري ، و ابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا 

 

و قال أبو الطيب .. و أحسن ما شاء  : 


أمير أمير عليه الندى ... جواد بخيل بأن لا يجودا


و قد أجمع العلماء على تقديم أبي حية النميري و تسليم هذا الفضل اليه في هذا الباب  في  قوله : 


ألا حي من أجل الحبيب المغانيا ... لبسن البـلى مما لبسن اللياليا

اذا ما تقاضى المرء يوما و ليلة ...تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا


و الترديد في قوله : 

 لبسن البلى ، ثم قوله لبسن اللياليا .

و كذلك قوله :

 تقاضاه شيء لا يمل التقاضيا .

الا أن الشاعر قد يسيء أحيانا في استعمال الترديد و يتكلف فيه فيخرج من مجال الاستحسان و الجودة .. و يصبح مقيتا قبيحا  ،  كقول أبي الطيب : 


فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا  ...  قلاقل عيش كلهن قلاقل 


و قوله : 


أسْدٌ فرائسها الأسود يقودها ...أسد  تكون له الأسود ثعالبا 


قال أحدهم :

و لا ندري كيف استطاع أن يتخلص من هذه  الغابة المليئة بالوحوش .

و أين يقع هذا من قول  غيره :


فصبح الوصال ، و ليل الشباب ... و صبح المشيب و ليل الصدود


و لي بهذا الموضوع .. قولي /


ملّ الهوى و الحب .. لا عن رغبة ... و لربما ..  ملّ الفضاء الأنجما


و أقول :



لعبت بساحته الرياح و طالما ... لعب الفخار بساحه وترنما


*****


سادس عشر :  الاستثناء    : 


الاستثناء 



يقول ابن المعتز : 

الاستثناء في الشعر ..  تأكيد مدح بما يشبه الذم ، 

قمن ذلك قول النابغة :


و لا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب 


و قال أيضا :


فتى كملت أخلاقه غير أنه ... جواد فما يبقي من المال باقيا 


و قال أيضا : 


فتى تم فيه ما يسر صديقه ...على أن فيه ما يغيظ الأعاديا


وهو من أبرع الاستئثناء و أحسنه . 


و قالوا : 

أحسن ما ورد في هذا النوع من الاستثناء ، قول الربيع بن ضبة : 


فبت و لا يفنى حديثي و منطقي ... و كل امرئ الا أحاديثه فان 


و قال قوم بل قول الآخر :


فلا تبعدن الا من السوء انني ...اليك و ان شطت بي الدار نازع


و قد أحسن و أجاد أبو هفان المهزمي العبدي حيث يقول :


فان تسألي عنا فانا حلي العــلى ...بني عامر ، و الأرض ذات المناكب

و لا عيب فينا غير أن سماحـنا ... أضر بنا ، و اليــــأس من كل جانب

فأفنى الرجى أعمارنا غير ظالم... و أفنى الندى امــــــوالنا غير عائب

أبــونا أب لو كان للنـــاس كلهم ...أب مثـــله أغناهم بالمنــــــــــــــاقب 



*****



سابع عشر :  باب الايغال : 


و يسمى .. التبليغ ،

 وهو أن يأتي الشاعر بالمعنى في البيت  تاما قبل انتهائه الى قافيته  ، ثم يأتي بها لحاجة الشعر اليها ، لأن بها يصير الشعر شعرا ، فيزيد البيت رونقا .. و المعنى بلوغا الى الغاية القصوى . 

و سئل الأصمعي : 

من اشعر الناس ؟ . قال :

من يأتي الى المعنى الخسيس ، فيجعله بلفظه كبيرا .. أو يقصد المعنى الكبير ، فيجعله بلفظه  خسيسا ، أو ينقضي كلامه قبل القافية ، فان احتاج اليها ، أتى بها و أفاد معنى لم يكن قبلها ، 

كما قال الأعشى :


كناطح صخرة يوما ليوهنها 

....................... فلم يضرها .. و أوهى قرنه .الوعل. 


فقد تم المثل .. 

ثم احتاج الى القافية ، فقال:  الوعل ..  فزادة معنىً . 

ثم سئل الأصمعي : 

فكيف صار الوعل مفضلا على كل ناظح ؟ .

 قال :

 لأنه ينحط من قُلّة الجبل على قرنه فلا يضره .

 و قال ذو الرمة :


قِفِ العيسَ في أطلال مية نسألُ ... رسوما .. كاخــــلاق الرداء .المسلسل.. 


فتم كلامه ..  ثم احتاج الى القافية فقال :

 المسلسل ، فزاد معنىً .

 ثم قال :


أظن الذي يجدي عليك سؤالها .

..........................دموعا كتفصيل الجمان ..المفصل


فتم كلامه  ، ثم احتاج الى القافية فقال : 

المفصّل ، فزاد شيئا لم يكن في البيت . 

و أبرع ما قيل في هذا الباب ، 

قول امرئ القيس :


كأن عيون الوحش حول قبابنا ... و أرحلنا الجزع الذي لم يثقّبِ


فأتى التشبيه قبل القافية ، ثم لما جاء بالقافية ، بلغها الأمد البعيد في التأكيد للمعنى ،  لأن عيون الوحش تشبخ الجزع ، خصوصا اذا ماتت و تغيرت هيأتها ، ثم لما أتى بالقافية ، قال : 

الجزع الذي لم يثقب ، فزاد المعنى ايضاحا ,. لأنها بالجزع الذي لم يثقب ، أوقع بالتشبيه . 

و قال أيضا : 


اذا ما جرى شأوين وابَتلَّ عطفَهُ  

.............................تقول هزيز الريح .مرت  بأثأب. 


 فقد تم العرض و التشبيه قبل القافية ، فلما أتى بها ، زادت القافية المعنى براعة و نصاعة ، وهي قوله :

 مرت بأثأب ... 

و ذلك أن الأثأب .. شجر يكون للريح في اضعاف أغصانه ، حفيف شديد .. 



*****


( القسم التاسع )



فيما يؤخذ  على الشاعر


و ما عليه الابتعاد عنه    





أولا  :  الحشو   :


الحشو 


أن تأتي بألفاظ زائدة لا فائدة فيها   .. لو أنك استغنيت عنها  .. لم ينل المعنى أي نقص  ، و لم يؤثر عليه هذا الاستغناء  .

 كقول النابغة  :


   توهمت آيات لها فعرفتها

........................لستة أعوام و ذا العام سابع


   و كان الأجود أن يقول  :

  لسبعة أعوام ..

 فيستغني عن قوله .. 

 لستة أعوام و عام سابع . 

   و منه  قول بعضهم : 

 

   نأت سلمى فعاودني ...صداع الرأس و الوصب


   فالرأس ..  حشو لا فائدة  منها  .. لأن  الصداع  لا يكون الا في   الرأس  .. و لا حاجة للشاعر بهذه اللفظة  


   و من ذلك أيضا  قول الشاعر  :


   أبغي  فتى لم تذر الشمس طالعة ...  يوما من الدهر .. الا ضر أو نفعا 


   فقوله .. طالعة .. حشو  و زائدة  .. لأن لفظة ذرت .. و طلعت .. بمعنى واحد  . 


   و منه قول  الآخر  :


   فما برحت تومي اليه بعينها ... تحذره خوف الوشاة  و تومض


    فقوله : 

و تومض ..  زيادة و حشو لا لزوم له .. لأن  الايماض  يكون  بالعين  ..  و يكتمل المعنى  بقوله  تومي اليه  .. و لا حاجة به الى الايماض  .

   و أحيانا يقوم الشاعر بتكرار الكلمة  الواتحدة  في البيت الواحد بشكل يؤدي الى فساد البيت  .. 

كقول البعض :


  و لست بخابئ لغد طعاما

.........................حذار غد .. لكل غد طعام 


   كرر  لفظة غد  ..  

   و منه للمتنبي  : 


    أسْدٌ فرائسها الأسود يقودها ...أسد تصير له الأسود ثعالبا 


   و ليس أجمل من  تعليق  الصاحب بن عباد على  البيت بقوله  : 

 العجب .. كيف خلص من هذه الأجمة ؟!


و كان الأصمعي يستبشع قول الشاعر :


  لما النوى ، جد النوى ، قطع النوى... كذاك النوى قطاعـــة لوصال 


يقول الأصمعي :

 لو أن الله سلط على هذا البيت  شاةً ، فأكلت نواه ، و أراحتنا منه .


و منه قول  المتنبي أيضا  :


    عظمت فلما لم تعظم مهابة ...عظمت فكان العظم عظما على العظم


   و قد علق الصاحب بن عباد على البيت قائلا :

  يصلح أن يكون ناووسا في كبار المقابر  لما فيه من العظام . 



و  الحشو و فضول الكلام :


أن يكون في البيت لفظ لا يفيد معنى .. و انما أدخله الشاعر لاقامة الوزن ، و قد يأتي في حشو البيت ما هو زيادة في حسنه ، و تقوية لمعناه . 

من ذلك قول الفرزدق : 


سيأتيك مني ان بقيت  قصائد ... يقصر عن  تحبيرها كل قائل  


فقوله :

 ان بقيت .. حشو في ظاهر لفظه .. و قد أفاد به معنى زائدا ، و هو شبيه بالالتفات ؛ فما كان هكذا فهو الجيد ، و ليس بالحشو الا على المجاز  .

و انما يطلق اسم الحشو على ما لا فائدة منه .

و قد أتى العتابي بما فيه الكفاية ، حيث يقول :


ان حشو الكلام من لكنة المر... ء و ايجـــازه من التقويـــم 


و يقصد باللكنة ما لا فائدة منه ، و لا منفعة .

 كقول أبي صفوان الأسدي : 


ترى الطير و الوحش من خوفه 

.......................... حوادر منه اذا  ما اغتدى 


فقوله " منه " بعد قول  من خوفه  .. حشو لا فائدة فيه . 

و كذلك قول أبي تمام  يصف قصيدة  : 


خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى ... و اللـــيل أسود حـــــالك الجلبــــاب 


   فلفظة الدجى هنا حشو .. لأن في القسم الثاني ما يدل عليه " الليل حالك " .. 


و قال زيد الخيل يخاطب كعب بن زهير :

 

أرى زيدا و قد كان معدما ...أراه لعمري قد تمول و اقتنى 


فلفظة أراه هنا أيضا حشو .. 


و مما يكثر به حشو الكلام في الألفاظ  : 

 ( أضحى ..  و بات .. وظل .. و غدا و قد ..  و يوما .. و أشباهها .. ) 

و كان أبو تمام كثيرا ما يأتي بها . 

كما يكره للشاعر استعمال  :

 ذا .. و ذي ..  و الذي .. وهو .. و هذي..  و هذا .. 

و كان أبو الطيب مولعا بها ، مكثرا منها بشعره . 

يقول :

 

لو لم تكن من ذا الورى اللذ منك هو ... عقمـــت بمولد نسلها حـــواء 


و كذلك يكره للشاعر قوله :

" حقا "

 الا أن تكون في موقعها 

كقول الأخطل :


فأقسم المجد حقا  لا يحالفهم...حتى يحالف بطن الراحة الشعر 


و قد زادت لفظة حقا ههنا المعنى حسنا و توكيدا ظاهرا . 


و قد أحسن عبيدالله بن عبدالله بن طاهر في قوله لابن المعتز :


و لو قبلت في حادث الدهر فدية ...لقلنا على التحقيــــق نحن فداؤه 


فقوله 

على التحقيق ..  حشو مليح  و جيد . 

( و  أرى أن لفظة .. " أيضا "  

فانها ما دخلت بيتا من الشعر الا أفسدته .. ما لم تكن في موقعها الصحيح )  

و نعي على أبي العيال الهذلي قوله :


ذكرت أخي فعاودني ...صداع الرأس و الوصب 


الرأس هنا حشو .. لأن الصداع لا يكون الا للرأس و بالتالي فان الرأس زائدة  .

   


*****


ثانيا  : التفريط  : 


و هو .. عكس الافراط


و هو  كما يقول  اسامة بن منقذ في كتابه " بديع البديع  " 

  أن يأتي  الشاعر على شيء ..  ثم يأتي  بدون .. فيكون تفريطا منه  ، اذ لم يكمل اللفظ أو يبالغ في المعنى  .. 

كقول  حسان بن ثابت  : 


   لنا الجفنا ت الغر يلمعن في الضحى

.............................و اسيافنا يقطرن من نجدة دَما 


   فرط  في قوله : 

الجفنات .. و هي دون العشرة .. 

و كان بمقدوره القول .. 

لدينا الجفان 

و لأن العدد القليل  لا يفتخر به .

   و في قوله : 

أسيافنا ..  و كان بامكانه القول  .. سيوفنا .

   و في قوله :

 الغر  ..  لأن سواد الجفان  أمدح  و أفخر  من بياضها  .

   و في قوله :

 يلمعن في الضحى ..

 و كان الأحسن القول

 في الدجى .. 

لأن كل شيء يلمع في الضحى .

  و فرط في قوله :

 يقطرن ..  

و كان يحسن به القول  

.. يسلن  

   الا أن هناك من يوافق حسان على قوله  ..  منهم أبو قدامة وروى أن حسان أراد   : 

  أن الضحى لا يلمع فيه الا العظيم الساطع اللامع .. بينما الدجى يلمع فيه يسير النور  .. و أما أسياف و جفنات  ..  فانه يضع القليل موضع الكثير .. كما قال سبحانه :  

"   لهم  جنات و درجات "   .  

   و قوله يقطرن دما .. هو المعروف و المألوف  


و من التفريط أيضا ..قول الأعشى .



   و يأمر لليحموم كل عشية ... بقتّ و تعليق و قد كاد يسنق   


اليحموم .. هو الدخان ..  و  الفرس  أيضا  ..  و الأسود من كل شيء و ربما كان السواد من العرق كما يقول ابن دريد  .. و المقصود في البيض  فرس سوداء .

   و قال  الأصمعي  .. ناقدا بيت الأعشى : 

ان أقل حمار لطحان ينال  هذا  .

  و من التفريط .. قول أحدهم :


   و من يأمن الحجاج و الطير تتقي

..........................عقوبته الا ضعيف العزائم


   ان الطير تتقي الولدان و الصبيان الصغار

   و الجيد .. قول جرير  : 


  و من يأمن الحجاج أما عقابه

..........................فمر .. و أما عهده فوثيــــــــق


و من تفريط الشعراء أيضا . 

قول النابغة  :


رقاق  النعال  طيب حــجراتهم ... يحيون بالريحـان يــوم السباسب

يصونون أجسادا طويلا نعميها  .... بخالصة الأردان خضر المناكب

تحييهم بيــض الولائــد بينهـــم  ...  وأكسية الاضريج فوق المشاجب


ان العامة و الناس  جميعا يحيون بعضعم بعضا في ذلك اليوم بالريحان ..  فالابيات فاسدة بمجملها ..

فأية فضيلة   في كونها ملونة  كما جاء  في البيت  الثاني  . ثم ان الأكسية لا تكون الا فوق المشاجب  ..  فأي فضيلة   في ذلك و لا يكون لغيره  .



*****


ثالثا : الفساد :


الفساد 

هو فساد المجادلة و المحاورة و التشبيه  أو غير ذلك يقصده الشاعر  .. 

كقول امرئ القيس :


   كأني لم أركب جــوادا للــــذة ... و لم أتبطن كاعبا ذات خلخال 

  و لم أسبأ الزق القوي و لم أقل ... لخيـــلي كري كـرة بعد اجفال  


   قال النقاد :

   هذا فاسد .. لأنه جعل الغزل مجاورا للشجاعة ، في البيتين  ..  و الأجود .. مجاورة الشجاعة للشجاعة .. و الغزل للغزل  . فيقول :


   كأني لم أركب جوادا و لم أقـل ...لخيلي كـــري كرة بعد اجفال

  و لم أسبأ الــــزق القوي لـــلذة  ...و لم أتبطن كاعبا ذات خلخال

                                 


و لكن للمتنبي رأي آخر  


استنشد سيف الدولة  يوما أبا الطيب المتنبي قصيدته التي أولها :


على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... و تأتي على قدر الكرام المكارم 


و كان معجبا بها ، كثير الاستعادة لها ، فاندفع أبو الطيب  ينشدها ، فلما بلغ قوله : 


وقفت و ما في الموت شك لواقف ...كأنك في جفن الردى و هو نائم

تمـــر بك الأبطــال كلمى حزينة  ... و وجهك وضاح و ثغرك باسم 


قال : قد انتقدنا عليك هذين البيتين ، كما انتقد على امرئ القيس بيتاه 


كأني لم أركب جــوادا لــــــلذة ...و لم أتبطن كاعبا ذات خلخال 

و لم أسبأ الزق القوي و لم أقل ...لخيــــلي كري كرة بعد اجفال 


و بيتاك لا يلتئم شطراهما ، كما لم  يلتئم شطرا هذين البيتين ، و كان ينبغي لامرئ القيس أن يقول : 

كأني لم أركب جوادا و لم أقـل ...لخيلي كـــري كرة بعد اجفال

  و لم أسبأ الـــزق القوي لـلذة ... ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال

و لك أن تقول : 


وقفت و ما في الموت شك لواقف ... ووجهك وضاح و ثغــرك باسم

تمر بــــــك الأبطال كلمى حزينة  ...كأنك في جفن الردى و هو نائم 


فقال : 

أيد الله مولانا !. 

ان صح الذي استدرك على امرئ القيس هذا  ، كان أعلم بالشعر منه ، فقد أخطأ امرؤ القيس ، و أخطأت أنا . و مولانا يعلم أن الثوب لا يعرفه البزاز ( بائع الحرير ) معرفة الحائك .. لأن البزاز يعرف جملته ، و الحائك يعرف جميلته و تفاريقه ، لأنه هو الذي أخرجه من الغزلية الى الثوبية ، و انما قرن امرؤ القيس لذة النساء ، بلذة الركوب للصيد ، و قرن السماحة في شراء الخمر للأضياف ، بالشجاعة في منازلة الأعداء ، و أنا لما ذكرت الموت في أول البيت  ،  أتبعته بذكر الردى ، و هو الموت لكي يجانسه ، و لما كان وجه الجريح المنهزم ، لا يخلو من أن يكون عبوسا ، و عينه من أن تكون باكية ، قلت ووجهك وضاح ، و ثغرك باسم ، لأجمع بين الأضداد في المعنى  ، و ان لم يتسع اللفظ لجميعها .

فأعجب سيف الدولة  بقوله ، ووصله بخمسين دينارا من دنانير الصلات ، قيمتها 

 خمسمائة دينارا . 


و من فساد الاستعارة  .. فول أبي الشيص الخزاعي :


   و للهوى جرس  ينفي الرقاد به ... فكلما رمت نوما .. حرك الجرسا


و من فساد التقسيم .. قول جرير :

صارت حنيقــة  أثلاثــا ..  فثلثهم  ...من العبيد .. و ثلث من مواليها 


*****




رابعا : الرشاقة .. و الجهامة  :


   الجهامة 

هي الكلمات القبيحة في السمع 

 كقول الشنفرى : 


أما يحرم المنعوت  حثحث  دبره ...مخابيط أرساهن سأم مغسّل



فلا خلاف في جهامة هذه الألفاظ  ان عرضت على صاحب الذوق السليم ..  و ان كانت معانيها صحيحة . 


و أما الرشاقة 

 فهي حلاوة الألفاظ .. و عذوبتها .. 

كما قال تأبط شرا : 


لتقرعنّ علي السن  في  ندم ...اذا  تذكرت مني بعض  أخلاقي 


و ذكر بعض العرب عيبا  سموه  ..  الاستكراه  

و هو

 تقارب مخارج الحروف  و الألفاظ   .. 

كما في هذا البيت الذي ينسبه المتقدمون الى الجن  : 


    و قبر حـــرب بمكان قفـــر ... و ليس  قرب قبر حرب قبر 


فأنت لا تستطيع قراءته ثلاث مرات دون أن تخطئ  أو تتعثر فيه  .


   و أنشد في هذا المعنى  . 


لم يضرها و الحمد لله شيء ... و انثنت نحو عسف نفس ذهول


  و قولهم أيضا : 


و اسق العدو بكاسه و اعلــم له ... بالغيب أن قد كان  قبل سفاكها

و اجز الكرامة من ترى لو أنه ...  يوما بذلت كرامة .. لجزاكــها


و قيل  .. 

ان أحسن الكلام ما كان مسبوك الألفاظ  .. سهل مخارج الحروف .. 

و ليس أحسن و أجمل ، مما  في كلام رب العالمين  " القرآن الكريم " 


*****


خامسا :  الرذالة .. و الجزالة  :  


الرذالة 

أن يكون المعنى  لا يراد .. و لا يستفاد  .. كما يقول بعضهم : 


زياد بن عوف عينه تحت حاجبه ... و أسنانه بيض .. و قد طرّ شاربه 


و مثله ما أورده سيبويه  في كتابه : 


اذا ما الخبز نادمه  بلحم ... فذاك ..أمانة الله .. الثريــد


و كقول  أبي العتاهية 


مات الخليفة أيها الثقلان ... قكأنني أفطرت في رمضان


وكقوله : 


 ألا يا عبدة الساعة ...أموت الساعة الساعة 


و كقول الآخر 


  ان جسمي شف من غير مرض...و فؤادي لجوى الحب  .. غرض

  كجـــراب ..  كان فيـــه جـــبن....دخـــل  الفـــأر عليه ..  فانقرض



****



سادسا :  الركاكــة   :


   الركاكة 


   أن يكون اللفظ متناولا  .. و المعنى متداولا .. كالكلمات المستعملة بشكل  عادي .. و الألفاظ المهملة  ..  فيكون الشعر ركيكا ، و النسج ضعيفا .. كقول امرئ القيس : 


   ألا انني بال  ، على جمل بال ... يقود بنا بال ،  و يتبعنا بال 


ومن الشعر الخلق  


   و لو أرسلت من حبــ... ـــك مبعوثــــا مــــــن الصينِ

   لوافيتك قبل الصبــــــ... ـح  أو من قبـل أن تصليــــــن



*****



و بهذا نكون قد أكملنا بحمد الله و عونه  كتاب "  البيان و البديع " 

راجيا أن اكون قد وفيت مواضيعه حقها و أوصلت المطلوب  .

و لله الحمد و الشكر .



الفهرس


1- المقدمة 2

2- تعريف  البيان 3

3- الفضاحة و البلاغة 10

4- الاستعارة 15

5- الكناية 21

6- الجناس  والتجنيس 25

7- الطباق  .. أوالمطابقة 32

8- التورية 35

9- المقابلة 37

10- الالتفات 41

11- التقسيم  و التجزئة 44

12- التطريز 48

13- الترصيع 50

14- الترديد 52

15- الاغراق 54

16- التسهيم 55

17- الموازنة 57

18- التصدير 58

19- الاستثناء 59

20- الايغال 60

21- الحشو السديد 61

22- التخلص 63

23- الترديد 65

24- التصدير 67

25- التقسيم 68

26- الحشو و الزيادة غير المفيدة 70

27- التفريط 74

28- الفساد 76

29- الرشاقة و الجهامة 78

30- الرذالة و الجزالة 80

31- الركاكة 81


*****