الثلاثاء، 30 يناير 2018

المهد /// للمبدعة....الشاعرة //// لطفية مارديني

المهد
نظرت زهرة إلى سرير ابنتها الفارغ إلا من لعبة القماش التي صنعتها لها بيديها لتلهيها بها وتذكرت طفلتها التي فارقتها منذ الظهيرة من غير رجعة ودارت في مخيلتها صورة ملاكها الصغيرة كان جمال الصغيرة أخاذا"من بياض ناصع وخدود وردية فاتنة وفم كأنه كرزة حمراء وعينان زرقاوان تحاكيان لون السماء تتدلى خصلات شعرها على عنقها كأنه شلال ذهبي ولا تنسى سحر ابتسامتها المشرقة والتي تبرز غمازتي خدودهابشكل آسر لا يستطيع المرء أن يبعدناظريه عن ذاك الحسن الأخاذ لكن ذلك الجمال كان نقمة ...
على الصغيرةوحيدة أمها حين كانت تضطر للذهاب إلى البستان منذ الصباح الباكر إلى وقت الظهيرة فتترك الصغيرة بأمر من الأب القاسي عند زوجته الجديدة والتي تعيش في نفس الدار مع الزوجة القديمة وهنا تبدأ معاناة الطفلة من زوجة الأب التي كانت تغار من الطفلة لكثرة ما كان أبوها يمدح جمالها ويدللهاويتغزل بحسنها وكانت الزوجة الجديدة تكتم غيظها وغيرتها وتتحين الفرصة لتتخلص من هذه المنافسة لها في قلب زوجها وجاءت المناسبة على قدميها حين حان موعد جني الزيتون وبأوامر من الزوج الصارم أمر أن تذهب الأم مع العمال إلى البستان وتترك الطفلة مع زوجة أبيها لأنها بلغت عاما" ونصف وتستطيع الأكل . ودعت الأم صغيرتهابقبلة وخرجت ومرت الساعات وجاعت الطفلة وأخذت تبكي لكن الخالة كانت تنهرها بشدة ثم تغلق عليها باب الغرفة وتتركها مع ألامها وبلغ الجوع والعطش من الصغيرة مبلغه ودخلت الخالة وهي تحمل صحنا"حوى بعض البرغل ممزوجا"بقليل من اللبن وجلست أمام الصغيرة ومدت إليها يدها بالملعقة تطعمها لقمة فرحت الصغيرة وفتحت فمها والتقمت الطعام لكنها سرعان مالفظته من فمها لأنها لم تستسغ طعمه فما كان من الخالة إلا أم رفعت يدها وبكل الكره والحقد صفعتها تفاجأت الطفلة بالكف فقد كان الكف الاول الذي وقع على وجهها فتحت عينيهالواسعتين وضمت فمها الصغيرلكن اشارة أخرى من كف خالتها كانت كفيلة باسكاتهاوعادت الخالة فملأت الملعقة ومدتها إلى فم الصغيرة ففتحت الصغيرة فمها وأخذت تزدرد الطعام بصعوبة وعيناها تهطلان بالدمع الغذير وما إن تناولت نصف الطعام حتى أخذ لونها يصفر وازرق حول فمها وأخذت تتقيأ وتسعل بشدة ثم أخذ الزبد يخرج من فمها وأرتخى جسمها ووقعت على الأ رض بدون حراك وهنا خرجت الخالة من الدار تولول وركضت إلى البستان وهي تلطم وما إن رأتها الأم على هذه الحالة حتى أحست بالمصيبة التي تنتظرها ولم تشعر بنفسها كيف ركضت إلى البيت وكيف حملت صغيرتها التي تركتها تمتلئ بالنشاط والحيوية لتجدها الأن جثة هامدة كالخرقة البالية ونظرت إلى ضرتها وعلى لسانها مئات الأسئلة لكن نظرة من الزوج القاسي واشارة من يده بالتوعد ونطق أول لفظ بكلمة علي الطلاق اذا بتحكي كلمة رح وهنا خرس لسانها واستحال وجهها إلى ما يشبه الأموات . فهي تعلم علم اليقين أنها إذا تطلقت فلا مأوى لها إلا الشارع ولم يكن لها أحد يؤويها حمل الوالد الطفلة ولفها بخرقة وذهب بها إلى طرف البستان وحفر حفرة عميقة ودفنها فيها وعندما عاد وجد الكلب ممددا وهو ميت فقد أكل من بقايا الصحن الذي أكلته الطفلة سكتت الأم وقد امتلأ قلبها حزنا ولوعة وأحست أن جزءا"من روحها قد انسلت منها ورافقت جسد صغيرتهاوتلمست صدرها وقد امتلأ حليبا"دافئا"وأخذ يسيل على ثوبها وللحظة فقدت صوابها وقامت تجري إلى الجانب الآخر من البستان لقد سمعت صوت بكاء ابنتها
قصة. لطفية مارديني
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق