الثلاثاء، 28 فبراير 2017

عين على كتب التراث ///للأديب ///الشاعر ///المبدع //// أ خالد خبازة

عين على كتب التراث
مع الأمثال الشعبية
ما كل مرة تسلم الجرة
...
معن بن زائدة
كثيرا ما نسمع أو نتمثل مثلا شعبيا أو حكمة ما ، انتقلت الينا من الأقدمين ، دون أن نعرف أو ندري ما هي الدوافع و الأسباب التي دعت الى اطلاق هذه الحكمة أو التمثل بها ، وما هي المواقف التي دفعت قائلها الى اطلاقها . وقد تكون نتيجة حادثة فردية ، أو نتيجة لتجارب الشعوب وتاريخها خاصة منها الحكم ، ويقال ان المثل الذي نتحدث عنه اليوم و هو " ما كل مرة تسلم الجرة " .. أطلقه معن بن زائدة الذي كان واليا على اليمن في أيام الدولة العباسية ، و كان مطلوبا من أبي جعفر المنصور الذي وضع جائزة لمن يدل عليه ، ثم حدث أن أنقذ معن هذا أباجعفر وكان متلثما في محاولة لقتله ، فعينه أبو جعفر بعدما كشف عن وجهه ، وتعرف عليه ، على اليمن . ومعن هو أبو الوليد معن بن زائدة بن عبدالله بن زائدة من بني شيبان كان جوادا شجاعا جزل العطاء ، كثير المعروف ، ممدحا مقصودا حتي قيل فيه " حدث عن البحر ولا حرج " .
قصة هذا المثل :
يقال أن رجلا سعى في افساد دولة المهدي الخليفة العباسي ، وكان في الكوفة ، فعلم المهدي به ، فأهدر دمه ، وجعل لمن دل عليه مائة ألف درهم ، فأقام الرجل حينا مختفيا ، ثم ظهر في بغداد ، فبينا هو في بعض الشوارع ، اذ رآه رجل من الكوفة فعرفه ، فأخذ بمجامع طوقه ونادى : هذا طلبة أمير المؤمنين ، فبينا الرجل على تلك الحالة ، وقد اجتمع حوله خلق كثير ، اذ سمع وقع حوافر الخيل من ورائه ، فاذا هو بمعن بن زائدة ، فقال الرجل :
يا أبا الوليد ، أجرني ، أجارك الله .
فوقف وقال للرجل الذي تعلق به :
ما تريد منه ؟ قال :
هذا طلبة أمير المؤمنين ، أهدر دمه ، وجعل لمن يدل عليه مائة ألف درهم . فقال له معن :
دعه .ثم قال :
يا غلام أردفه ، فأردفه .. وكر راجعا الى داره ، فصاح الرجل :
معن حال بيني وبين من طلبه أمير المؤمنين ، و لم يزل صارخا الى أن أتى قصر المهدي ، فأمر المهدي باحضار معن ، فأتته الرسل ، فدعا معن أولاده و مماليكه ، وقال :
لا تسلموا الرجل و واحد منكم يعيش .
ثم سار الى المهدي ، فدخل وسلم عليه ، ثم قال :
يامعن ، أتجير علينا عدونا ؟ا . قال :
نعم ، يا أمير المؤمنين . قال المهدي :
و نعم أيضا ؟ا . واشتد غضبه . فقال معن :
يا أمير المؤمنين ، بالأمس بعثتني الى اليمن في مقدم الجيش ، فقتلت في طاعتك في يوم واحد عشرة آلاف رجل ، ولي مثل هذا أيام كثيرة ، فما رأيتموني أهلا أن أجير رجلا واحدا استجار بي ، ودخل منزلي ؟ا.. فسكن غضب المهدي ، وقال :
قد أجرنا من أجرت يا أبا الوليد . قال معن :
فان رأى أمير المؤمنين أن يصله بصلة يعلم منها موقع الرضا ، فان قلب الرجل قد انخلع من صدره خوفا . قال :
قد أمرنا له بخمسين ألف درهم ، قال :
يا أمير المؤمنين ، ان صلات الخلفاء على قدر جنايات الرعية ، قال :
قد أمرنا له بمائة ألف درهم . قال معن :
عجلها يا أمير المؤمنين ، فان خير البر عاجله . فأحضر معن الرجل و قال له :
خذ صلة أمير المؤمنين ، و قبل يده ، و اياك و مخالفة خلفاء الله في أرضه .. " فما كل مرة تسلم الجرة " .. فأرسلها مثلا ، و أخذ الرجل ، و استغفر الله .
.............
خالد ع . خبازة
من كتاب " اعلام الناس بما وقع للبرامكة " للأتليدي .
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق