السبت، 7 نوفمبر 2020

لغتنا الجميلة في الشعر و قواعده // من عدد من كتب التراث العربي // الشاعر خالد خبازة

 لغتنا الجميلة

في الشعر و قواعده

في الجوازات و الضرورات .. وفقا لما جاء في كتب التراث العربي - القسم الثالث :

كنا تحدثنا عن الضرورات و الجوازات في الشعر العربي 

و نتابع البحث في الموضوع فنقول :

و مما يجوز للشاعر المولد ارتكابه من الضرورة في شعره ، أن يصرف ما لا ينصرف ، لأن أصل الأسماء كلها الصرف ، و انما طرأت عليها علل منعتها من الصرف ، فاذا صرف الشاعر مالا ينصرف ، فقد رده الى اصله . قال الشاعر:

لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعدٌ ، و لم تُغْذَ دعدُ بالعلب

العلب : جمع علبة ، و هي قدح من خشب ضخم يحلب فيه ، فصرف دعدا ، و ترك الصرف في بيت واحد . و أما أن يأتي الشاعر الى ما ينصرف ، فيترك صرفه ، فلا يجوز ، لأنه اخراج الشيء عن اصله ،. و اخراج الأشياء عن اصولها يفسد مقاييس الكلام فيها . و احتج الأخفش على جواز ذلك ، بقول العباس بن مرداس السلمي :

فما كان حصن و لا حابس ... يفوقان مرداس في مجمعِ

فترك صرف مرداس ، و هو اسم منصرف .

و قال أبو علي : هذا لا يقاس عليه .

و مما يجوز للشاعر المولد استعماله ضرورة .. قصر الممدود .. و لا يجوز له مد المقصور ، لأنه خروج على الأصل .

و أما قصر الممدود ، فهو رد الشيء الى اصله . قال الشاعر :

بكت عيني و حق لها بكاها ... و ما يغني البكاء و لا العويل

فقصر البكاء و مدّه في بيت و احد .

و مما لا يجوز الاحتجاج به في مد المقصور ، لأنه على غير أصل الوضع الذي اتفق العلماء عليه ، قول الفرزدق :

أبا حاضرٍ ، من يزنِ يظهر زناؤه ... و من يشرب الخرطوم يصبح مسكّرا

فمد لفظة .. الزنى .. و هو ممدود في لغة أهل نجد . و القصر فيه لأهل الحجاز .. و هي لغة القرآن ، و عليها الاعتماد ، و علة من مدَّ الزنى ، انه جعله فعلا من اثنين ، كقولك : راميته رماء ، و زانيته زناء . و من قصره ذهب الى أن الفعل من أحدهما ، . و في الجملة ، فانه منقول مقول لا يقاس غيره عليه . و يكتب الزنى بالقصر بالياء ، لأنه من زنى يزني ،

فأما قول الآخر :

سيغنين الذي أغناك عني ... فلا فقر يدوم و لا غناء

فالرواية الصحيحة ، أن يكون أوله مفتوحا ، لأن معنى الغِنى و الغَناء واحد . و الشاعر اذا اضطر الى مد المقصور ، غيّر أوله ووجهه ، الى ما يجوز استعماله . كقول الراجز :

و المرء يبليه بَلاء السربال ... كر الليالي و انتقال الأحوال

فلما فتح الباء من البلى ، ساغ له المد ، و مثل هذا كثير .

و يجوز للشاعر الاجتزاء بالضمة عن الواو ضرورة كقول الشاعر ( العجير السلولي) و يقال انها لـ ( المخلب الهلالي ) :

فبيناهُ يشري رحله ، قال قائل ... لمن جمل رِخوُ الملاط ذلولُ

كان الأصل .. فبينا هو ، فلما اجتزأ بالضمة ، حذف الواو .

و يجوز للشاعر المولد ، أن يرد المنقوص الى أصله في الاعراب ضرورة ، فيضم الياء في الرفع ، و يكسرها في الجر ، كما تفتح في النصب ، لأن الضمة و الكسرة منويتان مقدرتان في الياء و ان سقطتا ، فيقول في قاض في حال الرفع " قاضيٌ " و في حال الجر " قاضيٍ " غير مهموز ، و كذلك في جواري و غواني . قال الشاعر " أبو خراش الهذلي " :

تراه و قد فات الرماة كأنه ... أمام الكلاب مصغيُ الخد أصلمُ

فضم ياء مصغ . و قال عبيد الله بن قيس الرقيات :

لا بارك الله في الغوانيِّ هل ... يصبحن الا لهن مطّلبُ

فكسر الياء في الغواني .

ما يجوز في الشعر ، مما لا يجوز في الكلام ( النثر )

قال أبو حاتم :

أبيح للشاعر ما لم يبح للمتكلم ، من قصر الممدود ، و مد المقصور ، و تحريك الساكن و تسكين المتحرك ، و صرف ما لا ينصرف ، و حذف الكلمة ما لم تلتبس بأخرى، كقولهم ( فل ) من ( فلان ) و (حم ) من (حمام ) .

قال الشاعر :

و جاءت حوادث من مثلها ... يقال لمثلك ، ويهاً فُل

و قال مسلم بن الوليد :

سل الناس ، اني سائل الله وحده ... و صائن و جهي عن فلان و عن فلِ

يقصد .. عن فلان

و قال آخر :

دعاء حمامات تجاوبها حم

و من المحذوف أيضا قول الشاعر أبي كاهل اليشكري يصف فرخة عقاب ، شبه راحلته بها :

كأن رحلي على شغواء جادرة ... ظمياء قد بل من طل خوافيها

لها أشارير من لحم  تتمزه ... من الثعالي ، ووخز من أرانيها

يريد من ( الثعالب .. و بأرانيها .. من  الأرانب ) . و شغواء : العُقاب ، طير جارح . و جادرة : مظهرة أظافرها . و الأشارير : جمع اشرارة و هي القطعة من القديد ، و قيل من الحصفة أو الشقة ينشر عليها الأقط ليجف ، و التتميز : التقديد . و الوخز : شيء ليس بالكثير

و مثله قول الشاعر "

و لضفادي جمّهِ نقانق .. يريد ( الضفادع )

و من المحذوف قول كعب بن زهير :

ويلُمِّها خلة لو أنها صدقت ... في وعدها أو لو ان النصح مقبول

يريد ..  " ويل لأمها " .

و منها قولهم " لاه أبوك " يريدون " لله أبوك " . . قال الشاعر :

لاهِ ابن عمك لا يخـا ... ف المبديات من العواقب

و كذلك الزيادة أيضا ، اذا احتاجوا اليها في الشعر ، فمن ذلك قول زهير

ثم استمروا ، و قالوا : ان موعدكم ... ماء بشرقي سلمى فَيْدُ أو ركك

قال الأصمعي : سألت بجنبات فيد عن ركك ، فقيل : ماء ههنا يسمى " ركا " فعلمت أن زهيرا احتاج فضعّف . و منه قول القطامي :

و قول المرء ينفذ بعد حين ... مواضع ليس ينفذها الابار

يريد ( الابر ) و مثله قولهم ( كلكال ) من كلكل . و نظير ذلك كثير في الشعر لمن تتبعه .

و أما قصرهم الممدود فجائز في أشعارهم، و مد المقصور عندهم قبيح . و قد يستجاد في الشعر على قبحه . مثل قول حسان بن ثابت :

قفاؤك أحسن من وجهه ... و أمك خير من المنذر

و أنشد أبو عبيدة :

يا لك من ثمرة و من شيشاء ... ينشب في الحلق و في اللهاء

فمد اللهى ، و هو جمع لهاة ، كما قالوا قطاة و قطى ، و نواة و نوى . و الشيشاء : التمر الذي لا يشتد نواه

أما تحريك الساكن ، و تسكين المتحرك ، فمن ذلك قول لبيد بن ربيعة :

ترّاك أمكنة اذا لم أرضها ... أو يرتبطْبعض النفوس حمامُها

و مثله قول امرئ القيس :

فاليوم أشربْ غير مستحقب ... انما من الله و لا واغلِ

ففي البيت الأول سكن المتحرك في كلمة " يرتبط " ، و في البيت الثاني في كلمة " أشرب " .

و غير مستحقب : تعني ، غير محتمل . و الواغل : الآثم .

و منه أيضا قول أمية بن أبي الصلت :

تأبَى فما تطلعْ لهم في وقتها ... الا معذبة و الا تُجْـلدُ

و قد استشهد سيبويه على تسكين المتحرك في كتابه ، بقولهم :

عجب الناس و قالوا ... شعر وضاح اليماني

انما شعريَ قَنْدٌ... قد خُلِـطْ بجُلجلانِ

و لو حرك " خلط " اجتمع خمس حركات .

و القند : عصارة قصب السكر اذا جمد . و الجلجلان : حب الكزبراء ، و قيل هو السمسم

و من قولهم في تحريك الساكن :

اضرِبَ عنك الهموم طارقَها ... ضربَك بالسوط قونَس الفرس

نرى كيف حرك الفعل " اضربْ " و هو فعل أمر مبني على السكون .

و قونس الفرس : ما بين أذنيه . و البيت لطرفة بن العبد ، و قيل هو مصنوع عليه ، و قال ابن منظور ، أراد " اضربن " فحذف النون .

و أما صرف ما لا ينصرف عندهم فكثير . و القبيح عندهم ألا يصرف المنصرف ، و قد يستجاد في الشعر على قبحه . قال عباس بن مرداس ( و هو ابن الخنساء ) :

ما كان بدر و لا حابس ... يفوق مرداس في المجمع

........

خالد ع . خبازة

اللاذقية

من عدد من كتب التراث العربي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق