الأحد، 21 أغسطس 2016

سنابل حبلى بقلم وليد العايش

( سنابلٌ حُبلى )
________
حصيرةٌ تُلامِسُ شِغافَ الثرى بِعناقٍ مُثير ، الوسادةُ الحُبلى بعيدْانِ قشٍّ منِ زمنِ قصبِ النهرِ الأزليّ تُناورُ بمكانها ، أبريقُ شايٍ وكأسٌ على حافةِ عُمْرٍ عتيق ، المِنجلُ يتأرجحُ على جِدارٍ طينيِّ الملامح ، يحتسي الفلاحُ الخمسينيُّ آخر رشفةٍ مِنَ الكأس ثُمَّ يمضي ، تجاوزتْ عقاربُ الساعةِ مُنتصفَ ليلٍ صيفيّ ، الزوجةُ مازالتْ تلتحِفُ أشلاءَ وسادة ، قميصُ نومِها الأحمر يُدندِنُ لحنَّ الحُبِّ في رُدهةِ زاويةٍ مُتخفّية , الحصيرة تكاد تشي بأسرار تلك الليلة ، يمتطي الرجلُ مِنجلَهُ ، حِذاءٌ بلاستيكيٌّ أسودَ تغلبَ على ظُلمةٍ هادئة ، هُناكَ على ضِفّةٍ أُخرى ، تنتظرُ سنابلُ قمحٍ ، تُحاولُ الصمودَ قليلاً , ورُبما كانت تُحاولُ الفرار ، ترنيمةُ موالٍ تكسِرُ سكونَ الليل ، يمدُّ المِنجلُ لِسانَهُ الحادِّ ، السنابلُ تتهاوى منْ شُموخها للحظاتِ , ما تلبثُ أنْ تُعاوِد اِستجماعَ قِواها , جمهرةٌ على صدأ الأرضِ ، قطراتُ الندى تُطِلُّ بِرأسِها منْ خلفِ أُفقٍ عنيد ، التعبُ يُعلِنُ قدومه ، إنّهُ الحاضرُ الذي لا يغيب ، أسندَ الفلاحُ مِنجلهُ إلى كتفِ كومِ سنابل ، دُخانُ سيجارةٍ يُدغدِغُ قطرات الندى ، ينفثُها منْ أعماقٍ مُهترئة ، قذفَ بآخرِ بقايا السيجارة ، لِيُمسكَ المِنجلَ مرّةً أُخرى ، فجأةً رمى بهِ وجَرَى خلفَ جذعِ سيجارتهِ ، مازالَ بصيصُها حيّاً ، دَسَّهُ بينَ ذراتِ التُرابِ النديّة ، أشعةُ الشمسِ تحتفلُ بولادةِ فجرها ، صوتٌ آتٍ من بين براثنِ مطرقةٍ مُرهقة يدقُّ مسامعَ الزوجة التي كانت هُناكَ على تلك الحصيرة ، قميصُها الأحمرُ مازالَ يُعانِقُ الجسدَ الأسمرَ بِشغفِ رجل ، قفزتْ منْ مخدعها : ( يا إلهي أشرقتْ الشمس وأنا هنا ) اِبتسمَ الفلاحُ وهو يدسُّ قِطعةَ الخُبزِ الساخنةِ بجوفهِ المُتربّص ، الزوجةُ ترْقُبُ رَقْصَ السنابل ، الصباحُ يُلبي دعوةَ الديكِ المُزركش , سنبلةٌ تتمردُ بشموخٍ على هاويةِ المنجل ...
________
وليد.ع.العايش
21/8/2016م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق