الاثنين، 22 أغسطس 2016

لغتنا الجميلة بقلم الاستاذ خالد خبازة

لغتنا الجميلة
في علم البيان وعلم البديع
البحث الأول
أخوتنا الأعزاء
لا بد للشاعر ليكون شاعرا أن يكون .. ملما بقواعد البيان من استعارة و كناية و غيرها . عارفا بالمحسنات البديعية .. يملك مفردات من اللغة تسمح له بالخوض في غمار القافية ... وأن يمزج قوافيه بصدق العاطفة
.. يقول حسان بن ثابت
: وان أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال اذا أنشدته صدقا
ثم على الشاعر أن لا يأتي المعاني بصورة مباشرة .. فلا بد من اسيتعمال قواعد البيان من استعارة و كناية __
و تأكيدا لهذا المبدأ لا بد من ذكر ذكر واقعة في تاريخ الأدب العربي ..
ذلك أنه .. عندما القى الراعي النميري قصيدة يمدح بها الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان يقول فيها :
أخليفة الرحمن انا معشر ... حنفاء نسجد بكرة و أصيلا
عرب نري لله في أموالنا ... جق الزكاة منزلا تنزيلا
فقال له عبدالملك :
ليس هذا شعرا .. هذا شرح اسلام و قراءة آية ..
كما نذكر واقعة أخرى و هي استهجان الشاعر مروان بن أبي الجنوب بالشاعر علي بن الجهم عندما قال للمتوكل في قصيدة له :
الله أكبر و النبي محمد ... و الحق أبلج و الخليفة جعفر
فرد عليه مروان بن أبي الجنوب مستهزئا :
أراد بن جهم أن يقول قصيدة ... يمدح أمير المؤمنين فأذّنـــــا
فقلت له : لا تعجلن باقامة ... فلست على طهر فقال و لا أنا
فليس بالامكان تجاهل هذا النقد اللاذع النابع من الإحساس بأن الراعي النميري أو علي بن الجهم لم يكونا يقولان شعرا و انما نظما
وبالتالي فقد ميز القدماء بين الشعر الحقيقي و بين النظم .. و نعود فنذكر أنه لا بد للشاعر من الالمام بقواعد علم البيان .. من استعارة و تشبيه و كناية و غيرها
و سنبحث في هذا المقال أولا .. في الاستعارة
الاستعارة :
هي ، كما يقول عبدالقاهر الجرجاني ، في كتابه " أسرار البلاغة " ضرب من التشبيه ، و نمط من التمثيل ، و التشبيه قياس ، و القياس يجري فيما تعيه القلوب ، و تدركه العقول ، وتستفتى فيه الأفهام و الأذهان ، لا الأسماع و الآذان .
يقال : هي استعارة الشيء المحسوس ، للشيء المعقول ( المعنوي ) ، كقوله تعالى :
" لا تظلمون فتيلا " " و لا يظلمون نقيرا " " و ما يملكون من قطمير "
و الاستعارة أوْكَدُ في النفس من الحقيقة ، و تفعل في النفوس ما لا تفعله الحقيقة . و كقوله تعالى أيضا :
" و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة "
و هنا نرى كيف استعار القرأن الكريم لفظة " الجناح " ، و أضافها الى لفظة " الذل " .. فالذل لفظة معنوية لا يمكن أن يكون له جناح أصلا .. و هو معنى مجازي
و كقوله أيضا :
" و اشتعل الرأس شيبا "
فقد استعار القرآن الكريم فعل الاشتعال الى الرأس .. وهو معنى مجازي أيضا .
و الاستعارة ، كقول الشاعر :
و عري أفراس الصبا و رواحله
و قال الآعرابي :
كانوا اذا اصطفوا ، سفرت بينهم السهام ، و اذا تصافحوا بالسيوف ، قفز الحِمام .
فالاستعارة هنا في " عري أفراس الصبا ، و سفرت بينهم السهام ، و قفز الحمام .. الخ
فالمصافحة تكون بالأيدي لا بالسيوف معنى مجازي أضاف اليه لفظة الأفراس اعارة .. فكأن الشاعر استعار لفظة الأفراس الى لفظة الصبا
كذلك لفظة الحمام .. نرى كيف استعار الشاعر لفظة " قفز ؟ الى لفظة الحمام
ومن أحسن الاستعارات في الشعر قول ذو الرمة :
أوردته و صدور الليل مسنفة ... و الليل بالكوكب الدري منحور
و قوله أيضا , و هو من أجمل الاستعارات :
حيث نلاحظ كيف استعار الشاعر في البيت التالي .. فعل ذوى ، و أضافه للعود ، كما
استعار الشاعر الملاءة ، وهي لباس للآنسان أصلا ، و أضافها للفجر ، فكأنه اعتبر الفجر كالانسان يلبس عباءة ، خبأ خلالها نجوم الثريا ، وهو معنى رائع :
أقامت به حتى ذوى العود في الثرى ... و ضم الثريا في ملائته الفجر
كما أحسن أبو تمام بقوله :
لا تسقني ماء الملام فانني ... صب قد استعذبت ماء بكائي
ثم لننظر الى أبيات كثير عزة ، التي أثنى عليها كثير ، من اللغويين و الشعراء ، فكانها الماء جريانا ، و الهواء لطفا ، و الرياض حسنا ، و كأنها النسيم ، أو كأنها الرحيق ، أو الديباج في مرامي الأبصار ، و لنرى مدى جمالها و روعتها ، و الى ما فيها من استعارات جميلة رائعة :
و لما قضينا من منى كل حاجة ... و مسح بالأركان من هو ماسح
و شدت على متن المهارى رحالنا .. و لم ينظر الغادي الذي هو رائح
أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... و سالت بأعناق المطي الأباطح
لننظر الى عبارة " و سالت بأعناق المطي الأباطح " هذه الاستعارة الرائعة ، اذ لا يمكن لقارئ هذه الأبيات ، الا أن يتصور و يتخيل أعناق الجمال ، فيتخيل السهول و التلال و كيف يراها كأنها تسيل و تسير أمام عينيه متلازمة بأعناق الابل . :
أخذنا بأطراف الأحاديث ، سالت بأعناق المطي الأباطح
لقد وقعت الاستعارة موقعها ، و أصابت غرضها ، حتى وصل المعنى الى القلب ، وصوله الى السمع ، و استقر في الفهم ، مع وقوع العبارة في الأذن ، و لسلامة الكلام من الحشو غير المفيد .
ولا بد من القول أن موضوع الاستعارة بحث طويل ، و قد اختصرت ما فيه الكفاية , لنتعرف على موضوعها ، و هي بحث هام للشاعر كما الناثرأيضا
...
خالد خبازة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق