الاثنين، 24 يوليو 2017

سلمى ///// للمبدعه //// فادية حسون

كعادتها حين تصاب بالتوتر .. بدأت سلمى تقضم نهايات أظافرها مثل قط جائع استأثر بقطعة عظم شهية ...
جلست في مكانها الذي لطالما اعتادت الجلوس فيه على كرسي القش المركون في إحدى زوايا شرفتها المطلة على الطريق .... وابل من الرصاص أفاقها من نومها الذي أصبح شبه مستقر في الآونة الأخيرة ...كان صدرها يعلو ويهبط بسرعة ملحوظة ..ولسانها يردد بارتباك شديد ما تختزنه ذاكرتها المذعورة من أذكار وتسابيح ...شعرت أن كل رصاصة قد أطلقت على لب سكونها ..وانتهكت حرمة هدوئها ...فأردتها صرعى فوق ركام من الأحلام الذابلة .... كان جل تفكيرها مركزا على ذاك الرجل الذي استساغته روحها من بين كل الرجال .. الرجل الذي سمحت لنفسها أن تكسر قيود الكبرياء من أجله .. لتدعه يلج إلى قلبها وجوارحها دونما استئذان ...
كان الهدوء في القرية بعد مطر الرصاص أشبه بنعيق بومة رابضة فوق أغصان قلبها المذعور .. واستطاعت نسمات متسربة من حقائب أيلول القادم أن تحدث قشعريرة غير محببة في أوصالها المرتعدة أصلا ... انهمرت دمعتان من عينيها المترقبتين لخبر يسر خاطرها حين صدح صوت مؤذن القرية بأذان الفجر ... كان جل رجائها أن تطمئن على (مازن ) .. ابن جيرانها الذي كانت تراه يغدو كأمير بين شبان القرية .. كان ذاك الشاب حلمها الأوحد .. حيث كانت تشدها رزانته وحرصه على غض البصر كلما مر بها .. كانت وكلما مر من أمام منزلهم تسترق النظر إليه فتستهويها ملامح الوقار التي تغلف شخصيته وتقول في نفسها ..ترى هل ستبتسم لي الأقدار ذات فرحة ..ويكون هذا الشهم من نصيبي ؟؟
كانت ترتجف من أعماق روحها حين تتناول فتيات القرية الحالمات به سيرته .. فكانت ترقب بحنق شديد تلك الغبطة المالئة حدقاتهن الماكرة أثناء الحديث عنه ... نعم كان مازن حلما صعب المنال للكثيرات ... لكن الفاجعة التي أزهقت أحلام تلك الفتيات وأردتها قتيلة في ساحات أمنياتهن ...كانت أول أمس حين جاءت والدته لزيارتهم طالبة يد سلمى للزواج بابنها البكر .. شعرت سلمى وقتها بمباركة مزدوجة من السماء والأرض ..أحست بانتصار ساحق على فتيات قريتها .. وبأنها ظفرت بما كانوا يتمنينه .. .وبدأت روحها بانتقاء أجمل الأثواب من خزائن أحلامها المكتظة بكل ما يليق ..سكن خيالها واستوطن فيه ذاك الحلم القديم الذي بثت فيه حماتها روح الحياة واقترب من حيز الواقع ..كانت روحها تقفز فرحا حين كانت تتخيل خاتم مازن يبرق في بنصر يمناها ....
أفاقت سلمى من شرودها على صوت أمها التي نهضت لتصلي الفجر ..
سألتها : هل من أمر يا ابنتي ؟
قالت لها بقلب خافق بشدة وصوت مرتبك : أمي لقد سمعت صوتا صاخبا لرصاص في أول القرية ..وأخشى ان يكون مكروه قد حدث لمازن ..
اقتربت منها والدتها مربتة على كتفها محاولة اجتثاث بعضا من ذعرها : المكتوب لا مفر منه يا حبيبتي .. شعرت أن عبارة والدتها قد أضرمت نيرانا في أوصالها .. أحست بإقرار فظيع من لهجتها بأن القدر وقع لا محالة .. كان صوت سيارة يقترب شيئا فشيئا من الحي .. يشق صمت المكان بهمجية غير مسبوقة .. تجمهر رجال القرية العائدون من الجامع بطريقة غير معتادة ..شعرت بضيق شديد يعتلي صدرها ...اقتربت من حافة الشرفة محاولة استراق كلمة واحدة من اللغط الذي يحصل في الشارع .. علها تنهي صراع ذاتها الذي وصل إلى أوجه .. وجفلت من أعماق روحها حين رأت أبا مازن يتأبطه شخصان من أهل القرية .. وقدماه يجرهما كمشلول افتقد لفن الحركة لتوه .. وسقطت سلمى أرضا حين خرش سمعها صوته المدوي وهو يحتسب ويسترجع ..
احساس غريب انتابها حين استيقظت مذعورة على صوت الرصاص وهو أن الرصاصات الغادرة قد استقرت في صدر حلمها لحظة إطلاقها .. خرت الفتاة مغشيا عليها على قارعة الغدر التي تم فيها نحر عشرات الأحلام لفتيات في عمر الزهور .. بينما كانت أصوات الرجال في القرية تهز الأركان وتشل الكيان ..
وكم من سلمى على امتداد رقعة وطني تأبطت حلما جميلا أقعدته بين ضلوعها .. بينما تحيك له الأقدار كفنا ويصنع له النجار نعشا ..
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق