الثلاثاء، 6 فبراير 2018

صدفة ///للاديبة ..... المبدعة /// شفيقة غلاونجي

( صدفة )
اعتادت أن تقف وراء نافذتها صباح كل يوم ...تفتحتها على مصراعيها...تسند رأسها على قضبانها الحديدية....وتستنشق ملء رئتيها أنفاس الهزيع الأخير من الليل المعطر بشذى أزهار الحديقة التي تطل عليها...قبل أن تلوثه روائح عوادم السيارات ...وقبل ان يصم أذنيها ضجيجها وحركة السير التي تبدأ مع وقت انطلاق التلاميذ والموظفين ...
كانت ترتشف قهوتها الصباحية في هذا الوقت المبكر مع صوت فيروز الملائكي الصادح والذي يغذي مزاجها بأعذب الهالات من السعادة ...فهي تعشق هذا الثنائي الاستثنائي... معشوقتها الزنجية العابقة بروائح الهيل البهيح ..وتغريدات فيروز الصباحية.. وعلى وقع ألحان الرحابنة الآسرة... كانت تستكمل استعداداتها للذهاب الى وظيفتها ...
انطلقت إلى عملها في ذاك اليوم كعادتها نشيطة مبتسمة متفائلة متوكلة على رب العزة وهي تتمتم بعبارات الدعاء التي اعتادت أن ترددها وهي تهبط الدرجات درجتين ..درجتين يحدوها الامل بنهار مشمس كقلبها النقي ....
دلفت من باب منزلها الخارجي ضاحكة ووجهها الحسن يتلقف عبارات الاعجاب... فتحمر وجنتاها حياء وخفرا...فتبدوان كوردتين متفتحتين في ربيع مباغت مكلل بهمسات الاطراء التي كانت تهطل فوق محياها مثل قطرات الندى على قرنفلة أنيقة ....
كانت تمشي ونظرها مثبت للأمام دون الحاجة الى النظر في تفاصيل الطريق المؤدي إلى مكان عملها حيث حفظته عن ظهر قلب وثبتته في بطاقة ذاكرتها الروتينية......
وفجأة .... تسمرت في مكانها ...
وتجمد الدم من عروقها.. حين وجدت نفسها أمام قامة لرجل استساغته جوارحها بالامس ولا تزال ... إنه هو .. طليقها الذي التقته صدفة بعد سنوات من الفراق الطويل ... تصادمت المقل... كلقاء بين غريمين ..حدقت فاغرة....
تجمدت في مكانها كدمية متسمرة في واجهة أحد متاجر الألبسة الفاخرة.... اربكتها نظراته الجريئة ... قطع وجومها صوته الذي عشقته بالأمس وهو يبادرها التحية ....تلعثمت شفتاها .. تعطل لسانها عن الحركة... فقدت ابجديتها رغم انها سيدة البلاغة .... ردت التحية مثل طفلة لم تتقن تركيب الجمل بعد... سألها بلسان قلبه عن أحوالها...بينما عيناه تنطقان بالحنين والشوق ... شعرت ان نظرات عينيه تقرّان بأنها مازالت تلك الجميلة الهيفاء.. ذات الأنوثة المتفردة ....أخذ صدرها يخفق بشدة ملحوظة ... .لمس مدى اضطرابها...ورعشة جسدها فقد كانت تحمل له حبا عظيما كما هو ...لكن استحالة الحياة بينهما فرقتهما.....
لم تستطع الوقوف لمدة أطول ... شعرت أن قدميها ستخذلانها وتسقطها أرضا ...
تركته ساهمة ...
وتابعت مسيرها كطفل يحاول السير لأول مرة..
تساءلت بينها وبين نفسها اتراها تحبه كحب الشمس للبحر ....تتماهى معه في حب ازلي ؟!!!!
هل حقا الحب قضية لا تسقط بالتقادم ..؟؟
كيف لنظرة واحدة أن تتحول إلى فتيل يُشعل جذوة حب قديم نهشته سنون الفراق...؟!!!!
هل يستطيع القلب أن يبدّل حباً بحب؟!!!
هل الحب مشاعر صادقة يتبادلها قلبان ؟!!!
أم أن الحب كذبة وخديعة كبرى ؟!!
أم إنه قدر مكتوب في صحائف كل منا في هذه الحياة ...
أسئلة كثيرة تزاحمت عند بوابة مخيلتها تبحث عن إجابات...
فقدت القدرة على تحديد ملامح الطريق أمامها حين فُقِئت مجاري الدمع في مقلتيها بسهام نظراته الحادة...
أفاقت فجأة من شرودها على صوت سائق سيارة الإجرة مصحوبا مع دعسة الفرامل الشديدة وهو يقول معنّفاً : هل فقدت بصرك يا امرأة ؟ ...فقد كدتِ تموتين دهساً تحت عجلات سيارتي ....
(هل حقا من الحب ماقتل ؟؟!!)...تمتمت بهذه العبارة وهي تمسح عبراتها المنهمرة فوق وجنتين كانت حرارتهما بحجم حرارة ذاك اللقاء الاستثنائي...
شفيقة غلاونجي
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق