الاثنين، 29 مارس 2021

في الشعر .. و الذائقة الشعرية // بقلم الشاعر خالد خبازة

 في الشعر ..  و الذائقة الشعرية 

 و مدى علاقتها و أثرها على الانتاج الشعري للشاعر ..  وعلاقتها  بطريقة مخاطبة الآخر .

اتصل بي صديق على الخاص  سائلا :

هل للذائقة الشعرية علاقة بنصوص الشاعر  و تأثير على نظمه 

قلت : اجل يا صديقي .. فالذائقة هي التي تجعل الشاعر يختار ألفاظه و معانيه بشكل جيد .. و لولا هذه الذائقة لما وجدنا الكثير من الشعر الجيد لدى كثير من  الشعراء . 

و أضفت :

كان أجدادنا العرب .. كثيرا ما كانوا يعتنون بالذائقة الشعرية . و ان لم يكونوا يسمونها بتسمياتها .. و كانوا يقومون و يقضون وقتا طويلا في تنقيح قصائدهم و اختيار الألفاظ الأكثر مناسبة لها .. و يبتعدون  كثيرا عن الحشو غير المفيد . و هذا ما كان يفعله زهير بن أبي سلمى و غيره .. حتى سميت قصائده بالحوليات .. أي كان ينتظر على القصيدة حولا كاملا قبل ان يقوم بنشرها منقحا و مبدلا  . حتى تأتي قصائده خالية من كل حشو غير مفيد ..  و لولا ذائقته تلك .ز لما خلت قصائده من الحشو غير المفيد .

و لا يكون الشاعر حاذقا مجودا ، حتى يتفقد شعره ، و يعيد فيه نظره ،  فيسقط رديه ، و يثبت جيده ، و يكون سمحا بالركيك منه ، مطرحا  له ، راغبا عنه . فان بيتا جيدا يقاوم ألفي رديء .

يقول امرؤ القيس :

أذود القوافي عني ذيادا ... ذياد غلام جريء جـوادا 

فلمـــا كثرن و عنّيْنـــــه ... تخير منهن شتى جيـــادا


فأعزل مرجانها جانبا ... و آخذ من درها المستـجادا


فاذا كان أشعر الشعراء يصنع هذا و يحكيه عن ما بنفسه ، فماذا على غيره أن يصنع ؟

و اضفت أيضا 

الدليل في بحث الشعراء القدامى عن الذائقة  .. أنهم قسموا الشعراء  الى ثلاثة طبقات وفقا لذائقتهم الشعرية و تمكنهم  ..  

 الخنذيذ هو الذي يجمع الى جودة شعره ، رواية الشعر الجيد من شعر غيره . و الشاعر المفلق وهو الذي لا رواية له

 و هذا دليل  عن بحثهم عن الذائقة الشعرية 

قال صديقي  :  و هل الذائقة الشعرية تخص اشخاصا او شعراء معينين بصفتهم شعراء   ؟ .

قلت : لا يا صديقي  .. فليس للذائقة علاقة بشخص معين . انما قد يمتلكها الشاعر و غير الشاعر  .. فكثيرا ما نرى شعراء لا يملكون هذه الذائقة بدليل كثرة ما في نصوصهم من الحشو غير المفيد ..  و كثيرا ما نرى من ليسوا بشعراء .. الا أنهم يجيدون تذوق الشعر جيده و رذيله . فيميزون بين الجيد و الأجود .. و بين الغث و الأغث 

في حين أن كثيرا من الشعراء لا يمتلكون هذه الميزة . 

لذلك لو أنك نظرت الى الكثير من النصوص الشعرية للاحظت .. لو أن الشاعر قام بتغيير حرف واحد في بيت من الشعر لاختلف معناه و اصبح اكثر جودة و جمالا  .. أقول  حرف واحد  

و ما قولك في بيت الأخطل .. و الأمثلة كثيرة في الشعر العربي .. الذي يقول فيه :

ما يضر البحر أمسى زاخرا .. أن رمى فيه غلام بحجر  ؟!

فانك لو أبدلت الحرف .. ما .. في بداية البيت  بالحرف ..لا ..  لأصبح النص خطابيا في حين أن استعمال الشاعر الحرف . ما  . اي يمعنى ماذا يضر ...؟؟ كان بتذوقه الحسي انه استطاع  استبدال  لغة الخطاب ..  بلغة الاستفهام . فاجاد و جعل نصه اكثر جمالا  ..  

و كما قلت فان الأمثلة على ذلك كثيرة 

قال صديقي  : 

 كثيرا ما ألاحظ في المنتديات الأدبية في هذه الأيام كيف تكثر التعليقات على النصوص التافهة  .. و منحها عبارات التفخيم .. حتى  لتظن نفسك أنك أمام المتنبي أو امرئ القيس أو النابغة .. و ان هذا النص لا بد ان يكون من المعلقات أو من المذهبات  ..  في حين أنه قد لا يساوي الحبر الذي كتب به 

قلت : صدقت يا صديقي .

و أضفت :  

من خلال تجربتي  في عدد من لجان التحكيم في العديد من المنتديات الفيسبوكية .. كنت ألاحظ كيف يمنح البعض  علامات عليا لنص أقل ما يمكن القول فيه أنه نص تافه ..  بينما ينال النص الجيد علامة متدنية .. و كثيرا ما كنت أوجه الى وجوب تعديل هذه الدرجات و العلامات و فقا لما يستحق النص 

و هذا دليل  ..  على درجة  هذه الذائقة لدى البعض 

و يبقى القول  .. أن على الشاعر .. خاصة المتدرج في مجال كتابة الشعر أن يقرا الجيد من النصوص الشعرية و متابعة ما يكون هناك من تحليل لنص ما .. و هذا بالطبع يحتاج الى وقت و جهد كبيرين 

و هنا .. قال صديقي  :

هل هناك أية علاقة ما ..  بين اللفظ و المعاني .. يمعنى أن على الشاعر أن يختار الألفاظ  المناسبة للمعنى

قلت :  اذا لم يكن هناتك تمازج و تعانق تام بين اللفظ و المعنى  .. فلن يكون هناك شعر بالمعنى الحقيق ..اذ على  الشاعر أن يختار الألفاظ و العبارات و التراكيب التي تناسب المعنى و تتماهى فيه بحيث يشكلان وحدة لا انفصال لها .. فانك لو حاولت استبدال لفظة بأخرى .. لن يكون سهلا عليك .. و هكذا يكون الشعر الحقيق 

فانت مثلا  عندما تصف الربيع .ز لا بد أن تتحدث عن ابتةام الزهار و استقبالها اشعة الصباح و تمايل أغصان الأشجار مداعبة وجه القمر أو أن تتحدث عن استماعك الى صوت خرير المياه و شلالات  الجداول ..  و تغريد الطيور 

و عندما تتحدث عن حسناء متغزلا .. لا بد ان تستعمل لغة رقيقة بألفاظ غاية في  العذوبة واصفا عطرها و شلال شعرها و حسن قوامها و التثني في مشيتها  .. الخ .. فلا تستطيع أن تصف الربيع بالزلازل و الصواعق أو الحسنا بتشبيهها بأفعال الرجال .. الا في مواضيع معينة كأن تصف مشاركة امرأة ما ببسالة في ياحدى المعارك الوطنية 

كذلك الأمر في المديح ..  لا بد من استعمال العبارات و الألفاظ الفخمة  و التراكيب الجزلة .. الخ .

قال: قرأت أبياتا أعجبتني من حيث البناء و من حيث ما تقول  لجهة تمازج المعاني بالالفاظ   و تلاحظ  كيف استعمل الشاعر ألفاظه بجنكة و دراية مشبها القصيدة بالسفينة التي تعتريها الأمواج و الرياح بقوله :

يتيه فوق المعاني و هي غافية 

...................... بين الحروف اذا ما اوقظت .. صقلا

سفينة في خضم الموج عانقها 

..................... هوج الرياح .. و لولا الوجد لن تصلا

حتى اذا بلغت شطآن قافية 

...................... ارسى قواعدها .. و استنبط العللا

في غيهب من معاني الشعر ضمخها

....................... ندى القوافي فأغنى العارض الهطلا

ثم تابع صديقي :

فانك لو نظرت الى ما في هذه الأبيات من معان و ألفاظ تلحظ كيف تماهتا حتى اصبحتا روحا واحدة .. 

و قال : انظر الى هذه  االمعاني في قوله :  الغافية .. الحروف .. و الاستيقاظ 

ثم الى السفينة و الرياح والهائجة و الموج .. ثم الى الوصول الى بر الأمان .. ثم  الى لفظة الشواطئ و المرساة "ارسى " و القواعد ثم الى استنباط العلل في القصيدة 

و أيضا كيف ضمخ الشاعر معاني القصيدة بندى قوافيها ثم اغنى العارض الهطلا أي الشعر بمجمله 

هذه الألفاظ جميعا  شكلت كتلة واحدة مع المعنى فانك لن تستطيع تبديل لفظة بأخرى دون أن  يمس المعنى خلل ما  

قلت :  فعلا .. و هناك الكثير من الشعراء  في هذه الأيام من يحسن اختيار اللفظ المناسب  للمعنى المناسب و هم كثر .. و هنك من لا يحسنها يا صديقي للأسف . و كل همه أن تكون أبياته سليمة من حيث الوزن ..حتى و لو كانت قافيتها  مقحمة أحيانا لا علاقة لها بمعنى البيت ..  و لا يكلف بعض الشعراء نفسه بمطالعة اشعار القدماء أو حفظ ما أمكن ليصقل كلا من  حفيظته و قريحته . و يبقى مراوحا في مكانه .. و ربما دفع غرور البعض الى ما  منعهم من ذلك نتيجة لثقتهم المفرطة بأنفسهم .

قال صديقي :  هل  هناك صيغ معينة في مخاطبة الشاعر للآخرين بقصائده ..  فقد قرات قصيدة لأحدهم في مشاركة له بمسابقة شعرية " بوح الصورة " في أحد المنتديات الأدبية .. يخاطب طفلة بريئة ربما .. و كما تظهر في صورة المسابقة .. لن يتجاوز عمرها اربع او خمس سنوات فوصفها مشبها لها بالراقصة .. ليس هذا فقط و انما شبهها بمن  تهز أردافها ايضا ..  بقوله :

لو كنت راقصة ..  

ثم أضاف في بيت لاحق 

تهزيني أردافك ..  الخ . 

 اليس في هذا الوصف ما  يمجه السمع و تلفظه  الذائقة السليمة .. و يمجه طبع الانسان السوي .. بمخاطبة الشاعر  طفلة بريئة لا تعرف ما معنى الرقص أصلا  سوى حركات بريئة مضحكة .. و لا تعرف في الحقيقة  ما معنى كلمة " الردف " لتهزه . . فأيشعر هذا .. و اي مستوى وصلنا اليه .

قلت  :  هون عليك  يا صديقي  .. ربما كان الشاعر المذكور عندما كتب قصيدته تلك .. كان في حالة نفسية سيئة .. لم يشعر في حينه بصحة ما يكتب 

و اضفت : انه و كما هي العادة في السجالات الشعرية فان الشاعر يكتب أبياته بصورة سريعة  .. ثم ينقلها الى حقل التعليق و بسرعة ايضا .. مما يفقده توازنه لبعض الوقت  ..  قبل ان يستدرك الأمر  و يدقق فيما كتب .. انما بعد أن تكون البيات قد نشرت .. و تم التقاطها من المتلقي .. و الأنكى من ذلك ان يقوم الشاعر بعدها بنشرها في باقي المنتديات كما هي عليه .

و استطردت : ان هذه السجالات الشعرية .. بالرغم من فوائدها في تحريك القرائح الشعرية عند البعض .. و هي نوع من التدريب و شد الهمم في سبيل دعم اللغة و الشعر .. الا انها سلاح ذو حدين كما أرى 

فهناك من يكتب  و يلصق .. دون مراجعة فيخرج نصه أعرجا مشوها .. ليس من حيث البناء فقط .. و انما من حيث المعنى ايضا .. و بالتالي فان كل عكازات و دعائم  العالم ..  لن تستطيع تقويمه 

قال صحيح : و لكن .. الا يعبر الشعر عن نفس و روح الشاعر عند كتابة قصيدته .

قلت : معنى الشعر  .. جاء من الشعور .. و بنطق بما يحس الشاعر و يشعر به .. فهو مرآة لنفس الشاعر و روحه  فيقوم الشعر باظهار   ما بداخل الشاعر  .

قال : كما هو حال شاعرنا الذي تحدثنا عنه 

 كان عليه اذن و  قبل النشر أن يعيدها و يختار لها من الألفاظ ما يناسب المقام ..و أن يشعر أنه انما يخاطب طفلة هي عنوان البراءة ..

 فيا  لهذه الذائقة التي لديه..  

قلت : صدقت يا صديقي  .. فلكل مقام مقال .. و مخاطبة الاخرين في الشعر عادة تكون بما يناسب  الشخص المخاطب  

فمخاطبة الشخص العادي .. هي غيرها في مخاطبة الملوك .. أو الزعماء .. و هي غيرها في مخاطبة الرجال .. أو الأطفال  ..  و غيرها في مخاطبة الأشخاص المثقفين عنها ممن لديهم من  الثقافة البسيطة أو المتواضعة .. فعلى الشاعر اختيار الألفاظ و المعاني المناسبة  لكل منهم .. فلكل ما يناسبه في لغة الخطاب ..

 و أذكر هنا واقعة من التراث .. كيف أن الشاعر جرير بن الخطفي  .. عندا دخل على الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان مادحا بقوله :

أتصحو أم فؤادك غير صاح ... عشية هم صحبك بالرواح 

فرد عليه عبدالملك قائلا :

بل فؤادك !

و هذا اعتراض على قوله .. أم فؤادك غير صاح .. و بالتالي فان مخاطبة الملوك لا تكون بهكذا مخاطبة .. فلكل شخص له حقه و الطريقة الصحيحة  بالمخاطبة التي تناسبه ..  و هذه لا تكون الا لدى الشاعر الحق 

قال صديقي : صدقت  ..

 فشكرته .

......

خالد ع . خبازة 

اللاذقية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق