الأربعاء، 7 مارس 2018

لغتنا الجميله /// للاديب .... الشاعر... المبدع //// ا.خالد خبازة

لغتنا الجميلة
البحث الرابع عشر
في الفصاحة و البلاغة :
و هل الفصاحة هي نفسها البلاغة .. ؟
كثيرا ما نتساءل : ما الفصاحة وما البلاغة ؟ و هل الفصاحة هي نفسها البلاغة ؟
يعتقد الكثيرون أن الفصاحة هي نفسها البلاغة . و في الحقيقة أن لكل منهما معنى يختلف عن معنى الآخر .
و أكثر البلغاء ، لا يكادون يميزون بين الفصاحة و البلاغة ، بل يستعملونها استعمال الشيئين المترادفين ، على معنى واحد ، في تسوية الحكم بينهما .
فاجدادنا العرب ، ميزوا و فرقوا بين الفصاحة و البلاغة
قال ابن المعتز :
" البيان ترجمان القلوب و صيقل العقول "
و قال الجاحظ :
" البيان اسم جامع لكل ما كشف لك عن المعنى " .
و البلاغة ، فانها من حيث اللغة أن يقال :
بلغت المكان ، أي أشرفت عليه ، و ان لم تدخله .
و البلاغة وضوح الدلالة ، و انتهاز الفرصة ، و حسن الاشارة ، كما يقول البعض .
و يقول آخرون : البلاغة تصحيح الأقسام ، و اختيار الكلام . و البليغ يجب أن يكون قليل اللفظ ، كثير المعنى .
و قيل ان معاوية سأل عمرو بن العاص من أبلغ الناس . قال :
أقلهم لفظا.. و أسهلهم معنى ، و أحسنهم بديهة .
و قال أبو عبدالله وزير المهدي :
البلاغة ما فهمته العامة ، و رضيت به الخاصة .
و سئل بعضهم عن البلاغة فقال :
كلام و جيز معناه ، الى قلبك أقرب من لفظه الى سمعك .
و قال جعفربن محمد الصادق (رضي الله عنه ) :
انما سمي البليغ بليغا ، لأنه يبلغ حاجته بأهون سعيه .
و قال المفضل الضبي : سألت أعرابيا عن البلاغة فقال :
الايجاز في غير عجز ، و الاطناب في غير خطل .
و قيل للعتابي : ما البلاغة . فقال :
من أفهمك حاجته من غير اعاقة ولا حبسة و لا استعانة .
و سئل بعض الحكماء عن البلاغة فقال :
من أخذ معان كثيرة فأداها بألفاظ قليلة ، و أخذ معان قليلة ، فولد منها ألفاظا كثيرة ، فهو بليغ .
ومن أعلى درجات البلاغة في الكلام المنثور ، قوله تعالى :
" و قيل يا أرض ابلعي ماءك ، و يا سماء أقلعي ، و غيض الماء و قضي الأمر و استوت على الجودي .. "
الله .. ليس بعد كلام رب العالمين أي كلام .. و ما أجمل و ما أروع ما بين لنا بهذه الألقاظ القليلة .. لقد أعطانا القرآن الكريم مجموعة كبيرة من المعاني في ألفاظ قليلة ..و ليس هنك أكثر بلاغة من ذلك .
و قوله تعالى أيضا :
" فاصدع بما تؤمر " .
ومن البلاغة في القول المنظوم قول امرئ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل ..
فانه وقف و بكى و استبكى و تغزل بذكرى الحبيب و المنزل ..
و ذلك بنصف بيت فقط ..

أما الفصاحة :
يقول الامام فخر الدين الرازي :
اعلم ان الفصاحة ، خلوص الكلام من التعقيد ، و أصلها من قولهم : أفصح اللبن ، اذا أخذت عنه الرغوة . و يقال أفصح الصبح ، اذا انكشف و بدا . و كل واضح مفصح .
و يزعم بعضهم ، أن البلاغة في المعاني ، و الفصاحة في الألفاظ و يستدل بقولهم :
معنى بليغ و قول فصيح .
و الكلام الفصيح ، هو اللفظ الحسن المألوف في الاستعمال ، بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحا حسنا .
ومن المستحسن في الألفاظ ، تباعد مخارج الحروف ، فان كانت بعيدة المخارج ، جاءت الحروف متمكنة في مواضعها ، غير قلقة و لا مكدودة ، ومن الأمثلة على حسن تقارب المخارج أو على قلق الحروف كقول بعضهم :
و قبر حرب بمكان قفر ... و ليس قرب قبر حرب قبر
فلا أعتقد أن أحدا يستطيع قراءة هذا البيت أو أن يقرأه عشر مرات متتالية ، الا أن يقع في الغلط بالقراءة . ذلك أن القرب بين مخارج ألفاظه ، يجعل النطق به صعبا .
في البلاغة و الفصاحة و الشعر
و البيان وفق معجم " لسان العرب " لابن منظور :
ما بُيـــِن به الشيء من الدلالة . و بان الشيء بيانا : اتضح فهو بيــِّنٌ ، و الجمع أُبَيْــناء ، مثل هين : أُهـَـيْنـاء و كذلك أبان الشيء فهو مبين الفصاحة . .
و البلاغة : و البـَلْغ و البِـلْغ : البليغ من الرجال . و رجل بليغ : أي حسن الكلام فصيحه ، يبلغ بلسانه كنه ما في قلبه ، و الجمع بلغاء
.
و قال خالد بن صفوان في البلاغة : هو اصابة المعنى ، و القصد الى الحجة
و قيل : قلة الكلام و ايجاز الصواب
...
و الفصاحة هي غير البلاغة .. والبلاغة أن تأتي المعنى بأقل الألفاظ -
قال معاوية لصُحاربن العباس العبدي : ما هذه الفصاحة فيكم عبدالقيس ؟ . قال :
شيء يختلج في صدورنا فتقذفه ألسنتنا ، كما يقذف البحر الزبد . :
فما البلاغة عندكم ؟ . قال : أن نقول فلا نخطئ ، و نجيب فلا نبطئ . ثم قال :
أقلني يا أمير المؤمنين . قال : قد أقلتك . قال :لا تبطئ و لا تخطئ ثم ثال : .
قال أبوحاتم : استطال الكلام الأول ، فاستقال ، و تكلم فاوجز .
....
و من الأمثلة على البلاغة :
و قفت امرأة على قيس بن سعد بن عبادة ، فقالت : أشكو اليك قلة الجرذان . قال :
ما أحسن هذه الكناية ! .. املؤوا بيتها خبزا و لحما و سمنا و تمرا .
....
قيل لشبيب بن شيبة عند باب الرشيد
كيف رايت الناس ؟ . قال :
رأيت الداخل راجيا ، و الخارج راضيا ,
...
أمر هارون الرشيد جعفر البرمكي ، أن يعزل أخاه الفضل من الخاتم ، و يأخذه اليه عزلا لطيفا . فكتب اليه :
قد رأى أمير المؤمنين أن ينقل خاتم خلافته من يمينك الى شمالك . فكتب اليه الفضل :
ما انتقلت عني نعمة صارت اليك ، و لا خصتك دوني
........
نظر أعرابي الى رجل سمين . فقال :
أرى عليك قطيفة من نسج أسنانك .
..
قال رجل للعتابي :
ما البلاغة . قال :
كل من بلغك حاجته ، و أفهمك معناه ، بلا اعادة و لاحبسة ، و لا استعانة ، فهو بليغ . قالوا :
قد فهمنا الاعادة و الحبسة ، فما الاستعانة .؟ . قال :
أن يقول عند مقاطع كلامه : اسمع مني ، و افهم عني ، أو يمسح عثنونه ، أو يفتل اصابعه ، أو يكثر التفاته من غير موجب ، أو يتساعل من غير سعلة ، أو ينبهر في كلامه .
و قال الشاعر :
مليء ببهر و التفات وسعلة ... و مسحة عثنون ، و فتل أصابع
في البلاغة الشعرية :
سئل بعضهم عن الشعر فقال : ما لم يحجبه شيء عن القلب .
و قال الأصمعي : الشعر ما قل لفظه ، وسهل و دق معناه ولطف ، و الذي اذا سمعته ، ظننت أنك تناله ، فاذا حاولته ، وجدته بعيدا ، و ما عدا ذلك فهو كلام منظوم .
و قال بعض البلغاء : الشعر عبارة عن مثل سائر ، و تشبيه نادر ، واستعارة بلفظ فاخر .
و قال حسان بن ثابت :
وان أحسن بيت أنت قائله ... بيت يقال اذا أنشدته صدقا
و قال احمد شوقي :
و الشعر ان لم يكن ذكرى و عاطفة... أو حكمة ، فهو تقطيع و أوزان
و قال حسان بن ثابت أيضا :
و انما الشعر عقل المرء يعرضه ... على البرية ان كيسا و ان حمقا
و يقول الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي :
اذا الشعر لم يهززك حين سماعه
.......................... فليس جديـــــرا أن يقـــال له شعر
و أقول في أبيات :
هو الشعر بوح أو نسيـب و حكمة
..............................اذا هـــزّ وجدان الفؤاد جميـــل
هـــو الشعر ما بـاح الفــؤاد بسره
...........................و عبّر عنه في الضمير دليــــــلُ
اذا ما تجافت عن حروف طـلاوة
............................ فللأذن عن بوح الحروف ذهول
اذا الشعر لم يخرج من الروح نبضه
............................فليس له نحـو الحيــــــاة سبيـل
....
خالد ع .خبازة
مع التصرف زيادة و نقصانا
من كتابي " المستطرف في كل فن مستظرف " للأبشيهي .
و " نضرة الاغريض في نصرة القريض " للمظفر العلوي .
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق