وعاد المطر مجددا ..
عاد ليطرق على نوافذ الروح الموصدة ... كل قطرة تصنع شرخا في ذاك الزجاج الذي أعلن انصياعه لقوانين الطبيعة الأزلية ...وتتسرب القطرات من شقوق سقف أوردتي ..لتحدث ضجيجا محبباً في نفق الذكريات الغافية باستسلام على شرفات الأمس الغائم .... تستذكر صور من رحلوا .. تدعوهم لاحتساء كأس من الشاي الدافئ الذي من شأنه أن يطرد صقيع الروح ... ويتجمهر الحنين عند بوابة ذاك النفق ....يقتص وهجه من برودة مساءات آذار الآتي كضيف أرهقنا انتظاره ....
وذكرياتي ترتجف كفأر متوجس شعر بترب...ص قط يموء موءة غدر ووعيد من بعيد ...حاولت أن أدثر نفسي من برد مباغت أرجف الضلوع وأحنى الظهر ... سارعت إلى نبش حقيبة ملابسي الشتوية .. فصادفت شالا صوفيا حاكته أنامل أمي الغائبة الحاضرة .. والتي أبعدتني عنها الظروف خمسة أعوام ثقيلة ...قبّلته مع استنشاق عميييق ..علّني أعثر على بقايا من عبق أناملها الحبيبة ...أحطت به كتفي ... وأنا أحاول تهدئة ثورة شفتي المرتعدتين ...كان فكري يسافر بلا تذكرة سفر .. وبلا هوية ...الى كل بقعة تقطن فيها ذكرياتي المتناثرة وما أكثرها ...يجمعها كلها .. ثم يأتي بها وكأنه يعقد اجتماعا استثنائيا فوق ساحة قلبي ذي القبة المفتوحة ..والتي تزدان ببريق القطرات ...وذاك الرذاذ المنبعث بعذوبة كأنه فتى عاد إلى مرابع الطفولة الأولى ...
الشيء الوحيد الذي كان يستحوذ على مخيلتي هو مشهد تلك المدفأة المتوهجة المقامة هناك في بيتي الريفي الجميل .. والمتربعة في أفق الخيال ....وإبريق شاي يزغرد بابتهاج فوقها كملك محتفِ بالتفاف رعيته حوله ...وطبقٍ مملوء بألباب الجوز وبعض التين اليابس ... وضباب أبيض يغطي زجاج نافذتي الباردة ..فتهم روحي بخط بعض عبارات الشوق فوقه بسبابة اشتاقت لشقاوة الطفولة ...فتنفرج أسارير روحي .. وتنفلت دمعة من الأحداق تسيدت ملايين القطرات ..
مساء الحنين
فادية حسون.
عاد ليطرق على نوافذ الروح الموصدة ... كل قطرة تصنع شرخا في ذاك الزجاج الذي أعلن انصياعه لقوانين الطبيعة الأزلية ...وتتسرب القطرات من شقوق سقف أوردتي ..لتحدث ضجيجا محبباً في نفق الذكريات الغافية باستسلام على شرفات الأمس الغائم .... تستذكر صور من رحلوا .. تدعوهم لاحتساء كأس من الشاي الدافئ الذي من شأنه أن يطرد صقيع الروح ... ويتجمهر الحنين عند بوابة ذاك النفق ....يقتص وهجه من برودة مساءات آذار الآتي كضيف أرهقنا انتظاره ....
وذكرياتي ترتجف كفأر متوجس شعر بترب...ص قط يموء موءة غدر ووعيد من بعيد ...حاولت أن أدثر نفسي من برد مباغت أرجف الضلوع وأحنى الظهر ... سارعت إلى نبش حقيبة ملابسي الشتوية .. فصادفت شالا صوفيا حاكته أنامل أمي الغائبة الحاضرة .. والتي أبعدتني عنها الظروف خمسة أعوام ثقيلة ...قبّلته مع استنشاق عميييق ..علّني أعثر على بقايا من عبق أناملها الحبيبة ...أحطت به كتفي ... وأنا أحاول تهدئة ثورة شفتي المرتعدتين ...كان فكري يسافر بلا تذكرة سفر .. وبلا هوية ...الى كل بقعة تقطن فيها ذكرياتي المتناثرة وما أكثرها ...يجمعها كلها .. ثم يأتي بها وكأنه يعقد اجتماعا استثنائيا فوق ساحة قلبي ذي القبة المفتوحة ..والتي تزدان ببريق القطرات ...وذاك الرذاذ المنبعث بعذوبة كأنه فتى عاد إلى مرابع الطفولة الأولى ...
الشيء الوحيد الذي كان يستحوذ على مخيلتي هو مشهد تلك المدفأة المتوهجة المقامة هناك في بيتي الريفي الجميل .. والمتربعة في أفق الخيال ....وإبريق شاي يزغرد بابتهاج فوقها كملك محتفِ بالتفاف رعيته حوله ...وطبقٍ مملوء بألباب الجوز وبعض التين اليابس ... وضباب أبيض يغطي زجاج نافذتي الباردة ..فتهم روحي بخط بعض عبارات الشوق فوقه بسبابة اشتاقت لشقاوة الطفولة ...فتنفرج أسارير روحي .. وتنفلت دمعة من الأحداق تسيدت ملايين القطرات ..
مساء الحنين
فادية حسون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق