الأربعاء، 30 مايو 2018

أيام متناثرة /// للمبدعة /// الاديبة نجلاء عطية

أيام متناثرة
انطلقت تعدو وسط الظلام وتتوغّل في الغابة الموحشة وأصوات غريبة ، مزعجة تلاحقها من كلّ الاتجاهات..كانت تصمّ أذنيها وتبكي، تصرخ عاليا بلا صوت وذهول وتنظر إلى السّماء تبحث عن غطاء يحميها من عرائهاالمهين، ...تجري باتّجاه الضّياع ..توهم نفسها بأنّها على موعد مع شيء ما...تحثّ خطاها نحو السّراب بلهفة شديدة كمن ترغب في احتضان الشتات...تمشي لتنزع ذاتها المتعبة كمن تقتلع إبرا من قدميها الدّاميتين ومع كل خطوة ، تتخلّى عن إسم حفرته بمداد العين، روحها ،خلّفته وراءها ...
دون ارادة منها لتصبح نقطة واهنة في هذا الكون...كم كانت حلما جميلا كربيع دائم .. وصارت غريبة لا تفكر في الالتفات وراءها خائفة من ضعفها أمام الصدى الذي يملأها ...وفجأة سمعت حفيف أقدام تقترب منها وهزها رعب شديد وأخذت تدور حول نفسها وتحملق في تلك الأغصان المتشابكة التي تحجب عنها الرّؤيا ولكن لم تتمكّن من رؤية شيء لأنّ لا أحد هناك سواها وشبحها الذي تركته هناك .. توجّست خيفة من نفسها التي تتبعها في حين أنّها قرّرت أن تتركها وتصير أخرى ....اختارت أن تصير غريبة عن ذاتها تلك ...وأخذت دقّات قلبها تتسارع من هول الإختيار وتشعر بالدّوار والمكان يضيق حولها،.... بها، ....فيها وأوشكت أن تفقد وعيها.. حقّا! كم اشتهت في ما مضى أن تفقد وعيها وتتقبّل بملء إرادتها، الواقع كغيرها بأعين المغفّلين السّعداء إذ لم يقتلها شيء أكثر من إدراكها العميق بأنّ اللّحظة الحاسمة حضرت لها وبيدها دعوة ملزمة فلم يعد هناك أيّ مجال للتّريّث ولا قيمة للتّأجيل.. لحظة تقول لك، أنا هنا، مرَّ بي، تجاوزني وحدك بكلّ ضعفك ، انهزاماتك وانكساراتك... ، قف فيّّ إلى أن تتعلّم أنّ الزّمن هو أصعب درس في الحياة ...هو أمسك الجميل الّذي يبكيك حنينك له هو حاضرك المرتهن لواقع أنت لست قادرا على استعابه أو متجاوزا خطوتك يحملك على جناح السرعة إلى غدك المجهول ... تتوقّف بملء تعبك وشقائك وحزنك إلى أن تشعر أن التّعب لم يعد يتعبك، وتتقبّل الشّقاء بامبتسامة عريضة لا مبالية وتشرّع باب قلبك أمام الألم حتّى يملّ منك ويهجرك يوما إلى ضفّة أخرى ...
وتقوّست ماسكة بركبتيها في محاولة للتقاط أنفاسها...وكي لا تنهار، واصلت المشي وهذه المرّة بخطى أسرع...وحيرة أكبر وجزع مرير لفترة طويلة دون أن تسأل نفسها إلى أبن......حتّى نال منها التّعب وخرّت أرضا كالهشيم ولم تهتمّ بالتّراب الذي علق بثوبها الثّمين ونزعت حذاءها كمن تتخلّص من خطاها والذّكريات وتوسّدت يديها واستسلمت للنّعاس...أغمضت عينيها ولم تبال بشيء...في عمق اللّيل البهيم بدت كملاك يهب الظّلام الموحش نورا والغابة المقفرة ، سكينة و انحيازا لا مشروطا للجمال...لم تنم فحسب، بل ماتت ...كم هي موجعة ورهيبة تلك اللحظة التي تجبرك على أن تتّخذ الموت قرارا ...كم هو صعب ذاك الطريق الذي تتوجّه له وأنت مدرك أنّه سيوصلك إلى حيث تتوه ...كم هي قاتلة تلك الكلمة التي ينتزعها القدر منك ليسجّلها ضدّك ، اختيارا للعدم والحال أنّها لم تكن سوى زلّة من لسان تلعثم من كثرة حرصه على الأداء الصّحيح ....
بقلمي: نجلاء عطية


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق