أشتاااقك يارمضان..
أشتاقك وأنت تحل ضيفًا عزيزًا على دار أهلي .. أشتاق للإزدحام في مطبخك أمي قبيل الإفطار .... تستعرض ذاكرتي الشمية باستمرار ..روائح الطعام الشهية التي كانت تعطّر فضاء دارنا ذات القبة السماوية الفسيحة.. ومنظر أبي (رحمه الله ) وهو منهمك في تحضير لفائف التبغ بسعادة تفرّ خلسةً من ذيل حاجبيه المقطبين اطمئنانا لكونه أعدّ مؤونة السهرة من صديق عمره التبغ .. كانت أمي تحرص على وضع إبريق الشاي على نار هادئة قبيل الأذان.. كي تتجنب نظرة عتبٍ مصحوبةٍ بآهٍ عميقةٍ من أب...ي العاشق الأزلي للشاي بعد الطعام... وأنا وأخواتي كنا ننهمك بتحضير الاطباق التي تصحبها اصطداماتٌ محببةٌ داخل مطبخنا الذي يضيق ب ست بنات وأمهم.. صوت التلفاز والابتهالات التي كنا نسمعها كانت تنذر باقتراب أذان المغرب.. فيسيل لعاب الصائمين إيذانا باقتراب الفرج ..
ويتوالى طرق باب دارنا الحديدي الكبير.. فتسرع إحدانا بلهفة.. لتعود بطبقٍ شهيٍ أرسلته إحدى الجارات على سبيل الألفة والتحاب... فتشير أمي إلى ضرورة إعادة ملء الطبق مما طبخناه كي لا نعيده للجارة فارغا... ونتحلّق جميعا حول مائدة الإفطار... بالكاد كان المكان يتسع لعائلتنا المؤلفة من عشرة أشخاص..
لاتزال صورة والدي رحمه الله محفورة في ذاكرتي حين كان يراقص جذعه أماما وخلفا متأثرا بتلاوة قرآنية آتيةٍ من مئذنة جامعنا الكبير.. وكان كل لحظة يسترق النظر إلى ساعة معصمه الأيسر.. مترقبًا صوت الحاج رشيد وهو يصدح بصوته الرزين معلنا إنتهاء الصوم... بينما تنشغل يمناه بتقليب حبات ( سبحته) السوداء ولسانه ذاكرٌ شاكرٌ مستغفرٌ ..
أطباقٌ من أشهى الأطعمة كانت تضاحك وجوهنا المستبشرة.. وكؤوس ماءٍ باردةٍ يكلل جدرانها العرق .. ملأناها بشغف من العين الكبيرة في ذروة الإزدحام..
وفجأة يأتينا صوت المذيع في التلفاز ليقول: أخوتي الصائمين لقد حان الآن موعد أذان المغرب حسب التوقيت المحلي لمدينة دمشق وما حولها... ويسبقنا أذان دمشق بدقائق.. وكنا نمتعض ونحن صغار ونقول في سرنا : ليتنا كنا نعيش في دمشق.... وماهي إلا لحظات حتى يأتينا الفرج بصوت مؤذننا الجليل قائلا: الله أكبر الله أكبر... فتنفرج الأسارير.. وتبتلّ العروق برشفة ماء زلال.. وتطرب النفس لقرع الملاعق في الصحون.. وسرعان ما تختفي قطعُ ( الكبّة النيّة ) التي أرهقت كفيّ أمي وانهكت قواها أثناء دعكها في آنيةٍ فخارية خاصة ... ونشعر أننا نعيش طقوس عرس روحاني بهيج.... وأتوق لصوت أمي يوقظنا وقت السحور .. أذكر كم كنا نتعبها وهي تتوسل أن نفيق ونتناول طعامنا إستعدادا لصيام يومٍ جديد... وسرعان ما تعم الفوضى والجلبة ساحة الدار.. مترافقة مع أصوات اقدام المصلين المتجهين نحو المسجد..
واليوم.... رحل أبي إلى جوار ربه .. وتفرق أخوتي وأخواتي... وأمي أصبحت بعيدة كنجمة عالية صعبة المنال .. وأرض دارنا تتوق لفوضانا..
وأنفي يتحرق شوقا لاشتمام عبائق الطعام المتبخرة في حضرة الرحيل الموجع.. وباب دارنا اعتراه صدأ الشوق .. وبات يتوق لأنامل تقرعه حاملة طبقا ساخنا أرسلته جارتنا أم أحمد.. والعين الكبيرة يذهب ماؤها هباء كعين أمٍ أعياها فرط البكاء على غياب أبنائها الأبرار.. وأتووووق أتوق لصوت أمي الحبيبة يوقظني لأتناول سحوري... وأنا أعدك يا أمي أنني سأنهض منذ أول همسة لك.. ولن أتعبك أبدا.. أما قلبي فيشتهي ارتطاما وازدحاما على مائدة إفطار تضم بعضًا من أهلي... فروحي تشتاقكم يا احباب قلبي...
كل رمضان وانتم بالف خير..
فادية حسون
ويتوالى طرق باب دارنا الحديدي الكبير.. فتسرع إحدانا بلهفة.. لتعود بطبقٍ شهيٍ أرسلته إحدى الجارات على سبيل الألفة والتحاب... فتشير أمي إلى ضرورة إعادة ملء الطبق مما طبخناه كي لا نعيده للجارة فارغا... ونتحلّق جميعا حول مائدة الإفطار... بالكاد كان المكان يتسع لعائلتنا المؤلفة من عشرة أشخاص..
لاتزال صورة والدي رحمه الله محفورة في ذاكرتي حين كان يراقص جذعه أماما وخلفا متأثرا بتلاوة قرآنية آتيةٍ من مئذنة جامعنا الكبير.. وكان كل لحظة يسترق النظر إلى ساعة معصمه الأيسر.. مترقبًا صوت الحاج رشيد وهو يصدح بصوته الرزين معلنا إنتهاء الصوم... بينما تنشغل يمناه بتقليب حبات ( سبحته) السوداء ولسانه ذاكرٌ شاكرٌ مستغفرٌ ..
أطباقٌ من أشهى الأطعمة كانت تضاحك وجوهنا المستبشرة.. وكؤوس ماءٍ باردةٍ يكلل جدرانها العرق .. ملأناها بشغف من العين الكبيرة في ذروة الإزدحام..
وفجأة يأتينا صوت المذيع في التلفاز ليقول: أخوتي الصائمين لقد حان الآن موعد أذان المغرب حسب التوقيت المحلي لمدينة دمشق وما حولها... ويسبقنا أذان دمشق بدقائق.. وكنا نمتعض ونحن صغار ونقول في سرنا : ليتنا كنا نعيش في دمشق.... وماهي إلا لحظات حتى يأتينا الفرج بصوت مؤذننا الجليل قائلا: الله أكبر الله أكبر... فتنفرج الأسارير.. وتبتلّ العروق برشفة ماء زلال.. وتطرب النفس لقرع الملاعق في الصحون.. وسرعان ما تختفي قطعُ ( الكبّة النيّة ) التي أرهقت كفيّ أمي وانهكت قواها أثناء دعكها في آنيةٍ فخارية خاصة ... ونشعر أننا نعيش طقوس عرس روحاني بهيج.... وأتوق لصوت أمي يوقظنا وقت السحور .. أذكر كم كنا نتعبها وهي تتوسل أن نفيق ونتناول طعامنا إستعدادا لصيام يومٍ جديد... وسرعان ما تعم الفوضى والجلبة ساحة الدار.. مترافقة مع أصوات اقدام المصلين المتجهين نحو المسجد..
واليوم.... رحل أبي إلى جوار ربه .. وتفرق أخوتي وأخواتي... وأمي أصبحت بعيدة كنجمة عالية صعبة المنال .. وأرض دارنا تتوق لفوضانا..
وأنفي يتحرق شوقا لاشتمام عبائق الطعام المتبخرة في حضرة الرحيل الموجع.. وباب دارنا اعتراه صدأ الشوق .. وبات يتوق لأنامل تقرعه حاملة طبقا ساخنا أرسلته جارتنا أم أحمد.. والعين الكبيرة يذهب ماؤها هباء كعين أمٍ أعياها فرط البكاء على غياب أبنائها الأبرار.. وأتووووق أتوق لصوت أمي الحبيبة يوقظني لأتناول سحوري... وأنا أعدك يا أمي أنني سأنهض منذ أول همسة لك.. ولن أتعبك أبدا.. أما قلبي فيشتهي ارتطاما وازدحاما على مائدة إفطار تضم بعضًا من أهلي... فروحي تشتاقكم يا احباب قلبي...
كل رمضان وانتم بالف خير..
فادية حسون
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق