قصة قصيرة
"حرية فضفاضة "
وجدت الحافلة ممتلئة حتى آخرها فتمسكت بالعمود المعدني لكي تبحث لها عن مكان شاغر ، إقتربت من المنتصف ، فخاطبها صوت شاب من قرب وهو يوميء لها أن تجلس مكانهِ ،لكنها رفضت ولم تبال .. الا أن الحَ عليها في الطلب فاجابتهُ بنبرة حادة
- لمَ تعتقدون إن الانثى عاجزة وليست مثلكم يمكنها الوقوف ، نحن لانختلف عنكم ولدينا أعمال تشابه اعمالكم في بعض الاحيان ،لمَ هذه الاستهانة بنا .
شعر الشاب بالخجل وهو ينظر الى ركاب الحافلة وبعضهم غط كما هو خجلا ، والبعض الاخر همهم بسره..
( تستاهل حيل بيك )!
رد عليها الشاب ببعض كلمات والعرق يتصبب من كل مسامة بجسده الغض
- لم أقصد الأساءة اليكِ ولم يكن تصرفي هذا من باب إعتباركِ غير كفؤ لي إنما هو من باب الاحترام والمعاملة الناعمة التي يجب أن تحظى بها المرأة ، حين اقف لكِ إحتراماً او أفتح باب سيارتي لتصعدي قبلي او اقف عوضاً عنكِ في طابور الخبز.. هذا لا يعني ضعفكِ وإنما لكونكِ انتِ انا .. اختاه .
شعرَ بيد الجالس قربهِ وهو يطبطب على ظهره ويهمس بأذنه ،كان رجلاً ضخم الجسد أسمر اللون وشعره مرتب بعناية فائقة يرتدي قميصا مُزركشا ضيقا تكاد عضلاته تتفجر من تحتهِ
- انتَ المذنب هذه من النساء اللواتي ينادينّ بالمساواة ، تبا لهنّ وعجباً ، هل يستطعنّ مثلا ..التبول في الشارع وقوفا كما نحن !؟ نظر الشاب اليه والحافلة تسير وصلت الى مكان خرب قال له
- أنظر لذلك الكلب الذي في الشارع هو ايضا يستطيع التبول واقفا دون تفاخر ! ثم اكمل حديثه بسؤال هل تعتقد إن التبول في الشارع ميزة تحسب لنا عليهن .....؟! اجابه ووووو لا اعرف هذا ماخطر ببالي ولكن المرأة تحتاج الى شدة ووجه غليظ يشعرها إنها تابعة لك ايها الشاب .
رن هاتف هذا الرجل وكان هو المنقذ الوحيد لهذا الشاب من تفاهة حديثه ، فتح الخط وصوت انبعث منه وصراخ إمرأة سمعها المحطيون به وهي تنهره بشدة على تأخرهِ في العودة الى البيت وهي تنتظر وأمها طعام الغداء الذي كان من المفترض ان يصل اليهنّ قبل ساعة ، وكلمات منه وتوسلات واعذار بسبب تأخر الحافلة عليه ، تغيرت تلك النبرة العنيفة ولون وجهه أصبح ياخذ الوان قوس قزح مع كل اعتذار لزوجته .. نظر اليه الشاب بعد أن غلق هاتفه والابتسامة غطت وجهه الجميل الناعم في تفاصيله..... وصوت احد الركاب وقد اشتاط غضبا من هذه الحوارات التي دارت حول المرأة والمساواة بين الرجل
قال لهم : إن الأم هي المسؤول الاول في صناعة المرأة لانها تصنع إمرأة اخرى بنفس النسخة عنها لتكون متاعاً للرجل وخادمة مطيعة .
ردت عليه إمرأة عجوز تجلس أمامه وبيدها حفيدا صغيرا لابنتها الجالسة معها
- ان الأم تصنع هذه المرأة خوفاً عليها من هجر الرجل ونظرة المجتمع لها .
زادت وتيرة التداخلات في هذا الحوار رد آخر من مكان بعيد عنهم
- هل تعلمون لو استطعنا تحرير المرأة استطعنا بعدها تحرير الرجل ! لكن الرجل يخشى ذلك خوفا على ملكيته ، وهو ايضا يعاني القمع وضعفه امام السلطة لذلك لا حرية للمرأة او الرجل ما دامت تلك الأنظمة السياسية والاقتصادية والأجتماعية غير حرة .
كانت هناك إمرأة ناعمة وجميلة تقف بجانب الفتاة التي رفضت مكرمة الشاب لها ومشجعة لموقفها وبنظرات إعجاب وشهوة ، وجهت حديثها للجميع
- لماذا لا يحق لنا مصادرة حرية الرجل !؟ في حين نفعل ذلك مع المرأة إن تلك الاغلال التي وضعتموها حول جسد المرأة لا يمنعها من ممارسة الذي تريده ، وأن حريتنا هي أتخاذ القرارات وتحديد مصيرها بدون تلك الوصايا، هي المسؤولة الوحيدة عنها ، وأتهام حواء بأنها السبب في خروج آدم من الجنة واصبحت بعدها أصل لكل بلية ، وذلك الخروج من ضلعهِ الاعوج ، صراع بين الأصل الذكر والانثى الفرع ، في حين أن الجنس حدد بيولوجياً ولا يمكن تغيره . فلماذا تظلم المرأة باعضائها بينما الاثنان خلقا من نفس الطينة .. وان فكرتْ بالتصرف كونها إنسان كما هو الرجل ستتهم بتقليده وستقولون ( مسترجله ) ، إننا نربي بناتنا في سبيل الزواج أكثر مما نفكر في تطوير شخصيتها ، فتجد الفتاة في الزواج المزايا والهدف الاكبر .
رد عليها أخر - ان حرية المرأة بمفهومها السطحي ذلك حين تندرج من باب الأباحية والفساد وحين تجدين هناك رجال دين لا يكلون من ترسيخها بأذهان الناس ليل نهار .. إن هذه العملية متوارثه عزيزتي منذ قرون وإبعاد المرأة عن الرجل مصدر الشهوات .
اجابته المرأة : مصيبتنا هو هذا البعد الجسدي فقط فما هي سوى عورة يجب مراقبتها وطمس هويتها ، ثم من قال إن الرجل هو مصدر الشهوات فقط !؟
قالت كلماتها هذه وهي تضحك واخذت لها مكاناً اكثر التصاقاً بتلك الفتاة وتتلمسها بين اللحظة والاخرى بأناملها الناعمة وتنظر اليها بنهم شديد وكلما ازدات مطبات الحافلة في الشارع تلتصق هي بحميمية بجسد هذه الفتاة ..
شعرت عندها الفتاة بالريبة منها اخذت لها مكانا ابعد بقليل عن جسدها لكن نظرات تلك المرأة منفكت تراقبها والاخرى شعرت بالقشعريرة في كل مسامة من جسدها .
البعض أحس بنشوة الانتصار بطرح افكاره والاخر بفخريته بتلك الذكورية التي يمتلكها في حين آثر الاخرون الصمت والاستمتاع بتلك الحوارات التي اشتعلت بها الحافلة لتقتل الوقت والملل في الوصول .
رنّ رجلا عجوزا جرس النزول لاعلام السائق بالتوقف ، اخذ العمر منه مأخذه وعصا تساعده على السير ، قال لهم وهو بطريقه لمغادرة الحافلة
- لو وصل العمر بكم كالذي وصلت له أنا الان سترون إن هذه الدنيا مجرد لعبة بين ذكر وانثى وصراع دام قرون ، كلنا نمتلك العيوب ولكن هناك من هو بارع في إظهار محاسنه او إظهار هراءه .. حتى انتصاراتكم بعد حين من الزمن ستصبح هزائم والذي تتصورونه كان هو الصح يصبح خطأً او العكس ونصفكم لا يستوعب نصفكم الاخر وإبهام يشير الى قبوركم ومثواكم الأخير ، لكنكم الان تنعمون بظل الشجر ..! وحين تصلون الى عمري هذا وتنتهي لديكم تلك الغرائز ستعودون كما كنتم اطفالا بدون هوية مزيفة واعضاء ميزتكم عن بعض ..
ستعودون بشرا فقط ..كما خلقتم .
منى الصراف / العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق