الأربعاء، 18 يوليو 2018

قصة الانتحار /م للمبدعة // الاديبة..نهلة احمد

قصة الانتحار
بقلم :نهلة أحمد
وقَفتْ أمامَ المرآة ِ , نظرَتْ لِوجهِها الشاحبِ وهالاتٍ تُحيطُ بعينيْها الفاترتينِ اللّتينِ ذبَلَتا كوَردَتَينِ قُطِعَ عنْهُما الماءِ؛ رجَفتَ شَفتاها وارتَعَدَ قلبُها ؛ دَنَتْ منْ شبّاكِ الغرفةِ المُطلِّ على الشارعِ الطويل وهي تتمتِمُ ...هذا شكلي الآنَ فكيفَ بعدَ أنْ يَبلى , كَمْ للروحِ منْ أثرٍ على نَضَارةِ الجَسَدِ , فهي تعرفُ سَببَ ذبولِها وتعرفُ كيفَ أنَّ زوجَها الحبيب بعيدٌ عنها عقلاً وروحاً رغمَ قربها منه وتواجِدُها بكلِّ روحِها معهُ .
ولكنَّها عجزتْ في كنهِ هذا التغيّر الذي لم تعتدهُ منهُ فلم تَتَمالك نفسَها تلكَ التي لم يَخطرُ ببالِها يوماً أنْ تفترقَ عنهٌ ولو تفكيراً أو بعضَ خطراتٍ .
همّتْ بَغلقِ النافذة ِ , فتحَتْ دولابَها وأخرجتْ لها ثوباً بلونِ البنفسجِ قالتْ في نفسِها : سألبس هذا لأنَّهُ يُحبُّ أن يراني وأنا أرتديهِ, فتحتْ شَعرها المكوّر وأسدلتهُ على أكتافِها ببساطةٍ , وضعتْ قليلاً من المكياجِ لتضفي عليها لوناً من الحياة ؛ عطَّرِتْ خلفَ أذنيها وجيدَها ؛ جمَّلت صدرها بمصف من الذهب تقلدَتْهُ , واتكأت على سريرها ؛ بينَما هو جالسٌ إلى كتابِهِ يتَصَفَحُهُ, وهي تقذفُ بحسراتِها لشدَّة نظرهِ إليْها دونَ أن يولي سمعاً لتلكَ الحسَراتِ, فهو مندمجُ بكتابِهِ كعادَتِهِ التي طالما سبّبَتْ لهُ مشاحناتٍ معها.
تنهّدَت قليلاً وأطرقَتْ أرضاً رفَعَتْ قامَتَها واتَّجَهَتْ نحوَ الثلاجة ِ أخذَت كأساً من الماءِ وضعتْ قوقهُ قليلاً من عصيرِ البرتقالِ ؛ أحضَرت قنينة من مادة ( الأسفنيك : قاتل الحشرات) وأكملَتْ فيهِ الكأس , تعكَّرَ لونهُ وفاحتْ منهُ رائحةً كريهة , نظرتْ إليهِ وهي تتنهَّد ووضعتهُ على الطاولة , ثم شمَّتهُ وقربتهٌ لشفتيها وأخذَت تتجرعَهُ ببطْ وهي تغمض عينيها بينما أخذَ خيالها يصوِّر لها فيلماً كاملاً مستعرضاً لها قصةَ انتحارِها وموتِها وما يتبعُهُ من أحداثٍ بكل دقّةٍ , لم تحتملْ ما شاهدَتْهُ رغمَ أنّهُ من نَسجِ الخيال , أجهَشَتْ بالبكاءِ ورمتْ بجسدِها الخاوي على سريرِها وصرخَتْ بصوتِها الخافتِ الحزينِ ..آآآآآه ٍ ...أريدُ أن أموت َ...دعوني أموتُ لا أريدُ العيشَ ...لقد سئمت ُ ...لا تحاولوا إنقاذي , دعوني أموتُ على فراشي .
ارتَعّدَ الزوج لسماعِ أنينِها ...فغَرَ فاه وارتَعَشتْ شفتاهُ وهو يقولُ : ما بكِ عزيزتي .. حبيبتي أجيبي ؟
قالت: جرحٌ كبيرٌ كبيرٌ
قالً : كيف ومتى وأين؟
قالت: في قلبي وحياتي.
وأجهشَت بالبكاءِ وانهمرَت ْدموعُها بغزارة ٍ, أخذ صدرُها يرتفع ُويهبطُ بسرعة ٍ وارتخَت ْ يداها وكلُّ جسَدَها ولكنَّ وعيَّها مازالَ عندَها
- ركض الزوج ينادي والدتَهُ أن أحضروا سيارة لنقلها إلى المستشفى.
- نُقِلَتْ للطوارِئ.
الدكتور: ماذا..؟ وهو ينظر ُإليها .
قبل أن يجيبَ الزوجُ شَمَّ الطبيب رائحةَ فمِها مُتَسائِلاً : هلْ تَجرَّعتْ مادة ًسامَّة ً
الزوج : لا يا دكتور.
الدكتور يفحصُ قلبَها ويقيس ُضغطَها ويضعُ الأوكسجينَ لها ويربت على ظهرِها , يسندُها إليهِ.
تعفَّرَ وجهَها بالدموعِ الساخنة ِ.
الدكتور : ابكي أكثر كي ترتاحي وتستطيعي أن تقولي لي ما بِكِ , وبماذا تشعرين , - يزدادُ بكاؤها وهي تقول : شربتُ السُمَّ يا دكتور .
-الدكتور- ماذا شربتِ متعجباً !!!!!؟؟؟
- أسفنيك.
-كم شربتِ قليلاً أم كثيراً ؟
- قليلاً ممزوجا ًبالماءِ والعصيرِ.
الدكتور : خُذوها لغرفةِ الممرضةِ لتغسل َمعدتَها ؛ غسَلَتْ معدتَها وأفرغتها من كل ما فيها .
أصابَها غثيانٌ فمددتْها الممرضةُ على السريرِ وطلبتْ من زوجِها أن يغادرَ ليحضرَ غداً أملاً في أن ترتاحَ وتخرج.
-يخرجُ الزوجُ من الردهةِ ليفاجئَهُ شرطيّ العدلِ ويدخلان الردهةَ معاً للاستجوابِ
-الزوج يردد ماذا أقولُ أنا لا أعرف ُسبباً لهذا فما عساها أن تقول يا تُرى !!!!
-يفتح الشرطي أوراقَهُ وهو ينظر إليها بعين ِالعطفِ والاستغرابِ ويسأل:
- ماذا شربتِ؟
تطرق هُنيهة وتطقطقُ أصابعَها : أسفنيك.
س: مَنْ يَسكنْ معَكمُ ؟
ج :هوَ ووالدتُهُ.
س: مَنْ آذاكِ أحدهما ؟؟ أم ماذا؟
ج: سَئِمتُ الحياةَ لا أكثر .
أحسَّتْ بصُداعٍ وضعَتْ جبينَها على حافةِ السريرِ ثانية واحدةً ورفَعتْ رأسَها وهي َ تنظرُ إليهِ وتقول : ألم يخطرُ ببالِكَ يوماً أنَّ الحياة َلا تستحق ُ؟
أنا فكّرتُ كثيراً ولم أصلْ إلى ما يُقنعني لأنْ أبقى في هذهِ الحياة التعيسة ؛
حاولتُ الإنتحارَ ففشلتْ.
أمّا الآن فأقولُ لكُم ردّوا إليّ عمري ؛ لا بل أنّ الله ردَّهُ إليَّ فأنا لا أستطيعُ أن أموتَ بإرادتي هي مشيئتُهُ فأنا أكثر من ضعيفة حتى على أن أتصرف بنفسي ؛
الشرطي : كفى ؛ هل أنتِ مرتاحة الآن؟
الحمد لله
يودعاها الإثنان بعيونِهما ويحيّونَها برأسيْهِما ويَخرِجا من الردهةِ ليأتيْها زوجُها غدا.
بقلمي /// نهلة أحمد
 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق