الأحد، 26 يوليو 2020

لغتنا الجميلة /بقلم الشاعر خالدع.خبازة

لغتنا الجميلة

البحث الثالث في الشعر و أحكامه

الشعر .. أقسامه و أنواع الشعراء

كنا تحدثنا عن الشعر و تفعيلاته و أصوله التي أتى بها الفراهيدي و أن هذه الأصول مقسمة الى أسباب و أوتاد و فاصلة تحدثنا عنها تفصيلا .. كما تحدثنا عن الشعر بشكل عام و كيف نشأ أصلا على ألسنه الفصحاء العرب و ذكرنا لماذا تم تسميته قريضا كما سميت القصيدة و كيف سميت قافية .. الخ ..

و الآن نتحدث عن :

الشعر .. أقسامه و أنواع الشعراء

سمى العرب الشاعر باسم شاعر لآنه يشعر بما لا يشعر به غيره

و كان العرب يسمون قصائدهم : الحوليات ، و المقلدات ، و المنقحات ، و المحكمات .. ليصير قائلها فحلا خنديذا ، و شاعرا مفلقا ..

و في بيوت الشعر :

الأمثال و الأوابد ، و منها الشواهد و الشوارد .

ومن الذين دعوها بالشوارد

الحصين بن الحمام .. يقول من المتقارب :

و قافيــة غير معمـــــورة ... قرضت من الشعر أمثالها

شرود تجوّل في الخافقين ... اذا أنشِدت قيـــل من قالها

و في الأوابد

قال المزرد الغطفاني وهو الأخ الأكبر للشماخ من الطويل و القافية من المتدارك :

زعيم لمن فارقتـــــه بأوابد ... يغني بها الساري و تحدى الرواحلُ

تكر فلا تزداد الا استنارة ... اذا رازت الشعر الشفاه العوامـــــلُ

ومنهم من سماها .. بالشواهد  ..  

 قال الفرزدق  :

شاهدي في بيـــان موتك بيت ... قاله شاعر من الشعراء 

ليس من مات فاستراح بميت ... انما الميت ميت الأحياء  (*)

و الشعراء عندهم أربع طبقات : 

فأولهم الفحل الخنديذ ، و الخنذيذ هو التام 

قال رؤبة بن العجاج  : 

الفحول هم الرواة  ، و دون الفحل الخنذيذ  الشاعر المفلق ، و دون ذلك الشاعر فقط ، و الرابع الشعرور . 

و لذلك قال أحدهم في هجاء أحد الشعراء :

يا رابع الشعراء كيف هجوتني ... و زعمت أني مفحم لا أنطق  

و سمع بعض العلماء يقول :  

الشعراء ثلاثة .. شاعر و شويعر و شعرور  . 

و الخنذيذ هو الذي يجمع الى جودة شعره ، رواية الشعر الجيد من شعر غيره . و الشاعر المفلق وهو الذي لا رواية له .. الا أنه مجود في شعره كالخذيذ في شعره .. و الشاعر فقط هو فوق الرديء بدرجة  .. و الشعرور  هو لا شيء   .

و قيل : بل هم شاعر مفلق و شاعر مطلق و شويعر . 

و المفلق هو الذي يأتي بشعره بالفلق و هو العجب  .

و قد أبدى كثير من الشعراء  في بعض قصائده أو في أبيات معنى الشعر الحقيقي و ميزه  عن النظم و غيره   .. 

فالحطيئة قد أبدى رأيه بالشعر معتبرا اياه أنه من الصعب الوصول اليه  خاصة بلنسبة للمرء الذي يحاوله  دون أن يكون عالما به و بأساليبه و أوزانه و قوافيه و مقوماته  .. فلا بد أن تنزلق به قدمه  .. يقول 

الشعر صعب و طويل سلمه ... اذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه

زلت به الى الحضيض قدمه ... و الشعر لا يسطيعه من يظلمه

يريد أن يعربه فيعجمه

  وقسم بعضهم  الشعراء الى أنواع  أربعة .  

يقول أحدهم  :

الشعراء فاعلمنّ أربعة ... فشاعر يجري و لا يجرى معه

و شاعر من حقه أن ترفعه ... و شاعر يحوم حول المعمعة

و شاعر لا تستحي أن تصفعه .

و الشعر بناء  يبنيه الشعراء  .. فاما أن يكون شعرا حقا .. أو يكون غثا لا روح فيه  .. و قد يمتنع على قائله حتى يأتي شيء يطربه ، أو يثير فيه شجنا  .. 

 يقول أحدهم :

انما الشعر بناء ...  يبتنيه المبتنونا

فاذا ما نسقوه ... كان غثا أو سمينا 

ربما واتاك حينا ... ثم يستصعب حينا

و أساس ما يكون الشعر ، في أول الليل قبل الكرى أو في أول النهار قبل الغداء  ، و عند مفاجأة النفس و اجتماع الفكر .

و من طرائف بشار بن برد  .. قيل ان أحد الشعراء جاءه يعرض عليه قصائده ليبدي رأيه فيها .. فقال له : يا ابن أخي  الشعراء ثلاثة .. فشاعر و شويعر و ابن زانية .. فأما أنا فشويعر .. و أما الباقي فاقتسمه بينك و بين امرئ القيس . 

قال الطرماح يوما للفرزدق : ألست القائل : 

ان الذي سمك السماء بنى لنا ... دعائمه أعز و أطول 

أعز مماذا و أطول مماذا ؟ 

و أذن المؤذن في حينه .. فقال الفرزدق : يا لكع ! ألا تسمع ما يقول المؤذن : الله أكبر مماذا .. أعظم مماذا ؟ّ

فانقطع الطرماح انقطاعا فاضحا 

و سأل رسول الله صلى عليه و سلم العلاء بن الحصين : 

هل تروي من الشعر شيئا ؟ 

فأنشد  : 

حي ذوي الأضغان تسبِ عقولهم ... تحيتك الحسنى و قد يرفع النعلْ

فان دحسوا بالكره فاعف تكرما ... و ان خنسوا عنك الحديث فلا تسلْ

فان الذي يؤذيك منه سماعه ... و ان الذي قالوا وراءك لم يقلْ

فقال  عليه الصلاة و السلام   : 

ان من الشعر لحكما .. و روي : لحكمة . 

في الشعر مقاطعه و مطالعه 

في المقاطع و المطالع  : 

كان جهابذة النقاد اذا وصفوا قصيدة قالوا : حسنة المقاطع ، جيدة المطالع . أي أن يكون مقطع البيت وهو القافية متمكنا غير قلق  و لا متعلقا بغيره . و المطلع و هو أول البيت ، جودته أن يكون دالا على ما بعده ، كالتصدير و ما شاكله .

و الشعر أوله مفتاحه .. 

و على الشاعر أن يجود ابتداء شعره  ، لأنه أول ما يقرع السمع . و منه يستدل على ما عنده من أول وهلة . 

الخروج : 

الخروج هو عند البعض شبيه بالاستطراد ، و ليس كذلك . و الخروج أن تخرج من نسيب الى مدح أو غيره ، بلطف نحيل ثم تتمادى  فيما خرجت  .. و هو ما يسمى بحسن التخلص .  

الانتهاء 

أما الانتهاء فهو قاعدة القصيدة  و آخر ما يبقى منها في الأسماع ، و سبيله أن يكون محكما ، لا تمكن الزيادة عليه  ، و لا يأتي بعده أحسن منه ، و اذا كان أول  الشعر مفتاحا له ، وجب أن يكون آخره  قفلا عليه . 

و قد أربى أبو الطيب  على كل شاعر في جودة هذه الأبواب الثلاثة  .

و من العرب من يختتم القصيدة فيقطعها و النفس  بها معلقة ، و فيها راغبة مشتهية ، و يبقى الكلام مبتورا كأنه لم يتعمد جعله خاتمة 

..............

خالد ع . خبازة

اللاذقية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق