الجمعة، 23 أكتوبر 2020

لغتنا الجميلة // خالد ع . خبازة اللاذقية المراجع : عدد من كتب التراث

 لغتنا الجميلة

في الشعر و قواعده  .. الضرورات و الجوازات

القسم الثاني

كنا تحدثنا في القسم الأول أنه  اذا أخذ الآخر ( الشاعر أو الأديب ) من الأول المعنى ، فزاد فيه ما يحسنه و يقربه و يوضحه ، فهو أولى به من الأول .

كما تحدثنا انه لا يجوز للشاعر اللحن في اللغة سواءء فيي نص البيت أو في قافيته .

نتابع ف بحثنا اليوم ما تعلق بالضرورات و الجوازات ز

اعتبر العرب انه ..

مما لا يجوز للمولدين الاقتداء به ، و لا العمل عليه ، لأنه لحن فاحش .. الاقواء في القافية .. و ذاك أن يعمل الشاعر بيتا مرفوعا ، و آخر مجرورا ، كقول النابغة الذبياني :

أمن آل مية رائـح أم مغتدي ... عجــلان ذا زاد و غير مزوَّدِ

زعم البوارح أن رحلتنا غدا ... و بذاك خبّرنا الغرابُ الأسودُ

و من المستغرب ، كيف ذهب ذلك عن النابغة ، مع حسن نقده للشعر ، و صحة ذوقه و ادراكه لغوامض أسراره ، و نعلم ما أخذه على حسان بن ثابت ، مما تحار الأفكار فيه . و لما نُبِّهَ على موضع الخطأ ، لم يصل الى فهمه و لم يأبَه له ، حتى غنت به قينة وهو حاضر ، و لما مددت جملة " خبرنا الغراب الأسود " ، و بينت الضمة في الأسود بعد الدال المكسورة في البيت السابق ، فطن لذلك ، و علم أنه مقوٍ في البيت المذكور ، مما دفعه الى القول :

" و بذاك تنعاب الغرابِ الأسودِ " .

و كقول مزرد بن ضرار في أبيات :

ألم تعلم الثُّعلاءُ لا درّ درُّها ... فزارة أن الحق للضيف واجبُ

و منه :

تشازرت فاستشرفته ، فرأيته ... فقلت له آ أنت زيدُ الأرانبِ

و كقول حسان بن ثابت :

لا بأس بالقوم من طول و من قصر ... جسم البغال ، و احلام العصافيرِ

كأنهم قصبٌ جــــوفٌ أسافلـــــــــــه ... مثقب .. نفخت فيــــه الأعاصيرُ

فكسرفي البيت الأول .. و رفع في الثاني

و لا يكون النصب مع الجر ، و لا مع الرفع في الاقواء ، و الجميع لحن مردود ، و لم يرد عن العرب شيء من ذلك .

و ليس للمقيد مجرى ، و انما هو للمطلق ، و يظن أن من ارتكب الاقواء من العرب ، لم يكن ينشد مطلقا ، بل ينشده مقيدا ، و يقف على قافيته ، كقول دريد بن الصمة :

نظرت اليه و الرماح تنوشه ... كوقع الصياصي في النسيج الممددْ

فأرهبت عنه القوم حتى تبددو ... و حتى علاني حالك اللون اسودْ

و في المطلق فهو عذر مقبول .

و مما لا يجوز للمولدين استعماله ، و لا ورد لأحد رخصة في مثله .. " الاكفاء " .. و هو اختلاف حرف الروي ، و مثال ذلك قول الراجز :

برني ان البِرّ شيء هِينُ ... المنطق الطيب و الطعيمُ

نلاحظ هنا حرف النون في " هين " و حرف الميم في " الطعيم "

و قول آخر :

ان يأتني لص ، فاني لصُّ ... أطلس مثل الذئب اذ يعتسُّ

سوقي حداثي ، و صفير النسُّ

و مما لا يجوز للمولد أيضا  " الايطاء "

وهو أن يقفي الشاعر بكلمة في بيت ، ثم يأتي بها في بيت أخر يكون قريبا من الأول ، فان تباعد ما بين البيتين بما قدره عشرة أبيات فصاعدا " و بعضهم يعتبرها سبعة أبيات " ، كان الذنب مغفورا، و العيب مستورا ، و انتثل من المحظور الى الكراهية .. فان كانت احدى القافيتين نكرة ، و الأخرى معرفة ، فقد زالت الكراهية ، و كان الى الجواز أقرب من الامتناع .

و قد أوطأت العرب كثيرا .. قال النابغة الذبياني :

أو أضع البيت في خرساء مظلمة ... تقيد العير لا يسري بها الساري

ثم قال بعد أبيات يسيرة :

لا يخقض الرز عن أرض ألمّ بها ... و لا يضل على مصباحه الساري

و قال ابن مقبل :

أو كاهتزاز رديني تداوله ... أيدي التجار فزادوا متنه لينا

ثم قال بعد أبيات :

نازعت ألبابها لي بمقتصر ... من الأحاديث حتى زدتني لينا

و مما لا يجوز للمولد استعماله ، السناد ، وهو اختلاف حركة الحرف ما  قبل حركة الروي ، كقول عمرو بن الأهتم التغلبي :

ألم تر أن تغلب أهــل عز ... جبـــال معاقل ما يرتقَينا

شربنا من دماء بني سليم ... بأطراف القنا حتى روِينا

ففتحة القاف ، و كسرة الواو ، سناد لا يجوز .. لأن أحد الحذوين يتابع الردف ، و الآخر يخالفه . و قد أجاز الخليل الضمة مع الكسرة ، و منع  الضمة مع الفتحة ، فان كان مع الفتحة ضمة أو كسرة ، كان سنادا ، فأما الذي جوّزه ، فكقول طرفة :

أرث العين خيال لم يقِرْ ... عاف و الركب بصحراء يسُرْ

فهذه ضمة مع كسرة و هو جيد ، و أما الذي منع منه و ذكر أنه سناد ، فكقول رؤبة :

و قاتم الأعماق خاوي المخترَقْ

ثم قال :

ألف شتى ليس بالراعي الحمِقْ

فجمع بين الفتحة و الكسرة . ثم قال :

مضبورة فرواء هرجاب فُنـُقْ

فأتى بالضمة مع الفتحة و الكسرة ، و هو سناد قبيح لا يجوز استعمال مثله ، . و مثله في القبح مع الجمع بين الكسرة و الفتحة و الضمة ، قول الأعشى :

غزاتك بالخيل أرض العَدْ ... و في اليوم من غزوة لم تحِـمْ

و جيشهم ينظرون الصبا ... ح و جـــذعانها كلفيظ العجَـــم

قعودا بمـــا كان من لأمة ... و هـــن قيـــام يلُــكنَ اللُّجُـــــم

و حكي : أن الأخفش " صاحب كتاب " القوافي " .. لم يكن يرى ذلك سنادا ، و يقول : قد كثر مجيء ذلك من فصحاء العرب .

و المعوّل على ما قاله الخليل ، لا غير .

و أجاز الخليل مجيء الياء مع الواو ، في مثل " مشيب و خطوب " و " أمير ووعور " ، فان أردفت بيتا و تركت آخر ، فهو سناد و عيب لا ينسج على منواله ، كقول الشاعر :

اذا كنت في حاجة مرسلا ... فأرسل حكيما و لا توصه

و ان باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيبا و لا تعصـه

نلاحظ أن في لفظة " توصه " في البيت الأول حرف الواو هو الردف ، و الصاد حرف الروي ، و البيت الثاني ليس بمردف  .. فهذا سناد.. وهو عيب قبيح قلما جاء .

و قال الخليل بن احمد :

رتبت البيت من الشعر ، ترتيب البيت من الشَّعر ، يريد الخباء ، قال : فسميت الاقواء ، ما جاء من المرفوع من الشعر ، و المخفوض على قافية واحدة . و انما سميته اقواء ، لمخالفته ، لأن العرب تقول : أقوى الفاتل ، اذا جاءت قوة من الحبل ، تخالف سائر القوى .

قال : و سميت تغير ما قبل حرف الروي سنادا ، من مساندة بيت الى بيت اذا كان كل واحد منها ملقى على صاحبه ، ليس هو مستويا كهذا .

قال : و سميت الاكفاء ما اضطرب حرف رويه ، فجاء مرة نونا و مرة ميما و مرة لاما ، و تفعل العرب ذلك ، لقرب مخرج الميم من النون .

و أما التضمين ، فهو أن يبنى البيت على كلام يكون معناه في بيت يتلوه من بعده ، مقتضيا له . كقول الشاعر .

و سعد ، فسائلْهُمُ و الربابُ ... و سائلْ هوازن عن اذا ما

لقينـــاهُمُ كيف تعــــــــلوهُمُ ... بواترُ يقربن بيضا و هاما

و كل هذه العيوب لا يجوز للمولدين ارتكابها ، لأنهم قد عرفوا قبحها ، و شاهدوا في غيرهم لذعها و لفحها .. و البدوي لم يأبه لها .

و مما لا يجوز للمولد استعماله ، كسر نون الجمع ، في مثل قول جرير :

عرينٌ من عُرَينة ليس منا ... برئت الى عرينة من عرين

عرفنا جعفرا و بني عبيد ... و أنكرنا زعانف آخـــــــرينِ

و هذا لحن ، و صوابه آخرينا .

و قال سحيم بن وثيل :

عذرت البُذْل ان هي خاطرتني ... فما بالي و بال ابني لبونِ

و ماذا يدَّري الشعراء مني ... و قد جاوزت رأس الأربـعينِ

و الصواب فتح نون الأربعين .

و قال الفرزدق يخاطب الحجاج بن يوسف ، لما أتاه نعي أخيه ، في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد :

اني لباك على ابني يوسف جزعا ... و مثل فقدهما للدين يبكيني

ما سدَّ حي ولا ميت مسدهما ... الا الخــــــلائف من بعد النبيينِ

فكسر نون النبيين ، و الصواب فتحها .

و كل هذا لا يحوز للمولد الحذو عليه ، و لا الاحتجاج به ، و لذلك يقول السيد الحميري :

و ان لساني مقـــــوَلٌ لا يخـــونني ... و اني لما آتي من الأمــر متقنُ

أحوك و لا أقوي ، و لست بلاحن ... و كم قائل للشعر يقوي و يلحن

و قال عدي بن الرقاع :

و قصيدةٍ قد بتُّ أجمعُ بينها ... حتى أقوم ميلها و سنادها

نظر المثقٍّف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منــــآدها

و أنشد أبو بكر الصولي قال : أنشدني عون بن محمد الكندي ، لبعضهم و ملح :

لقد كان في عينيك يا عمرو شاغل ... و أنفٌ كثيــــل العَوْد عما تتبع

تتبعت لحنــــا في كـــــلام مرقّش ... ووجهك مبني على اللحن أجمع

فعينــاك اقواء ..  و أنفك مكفـــــأ ... ووجهك اسناد .. و أنت المرقع

و يروى :

أذناك اقواء و أنفك مكفأ ... و عيناك ايطاء ، و أنت المرقع

و قال ابن جريج في سوّار بن أبي شُراعة :

و ذكرك في الشعر مثل السنا ... د و الخرم و الخزم أو كالمحالِ

و ايطاء شعر و اكفاؤه ... و اقواؤه دون ذكر الرُّذال

و ما عيب شعر بعيب له ... كأن يبتلى برجال السّفال

يتاح الهجاء لهاجي الهجا ... ء داء عضال لداء عضال

و قد أوردنا هذه لموضع استقباح عيوبها ، و تشبيه أحوال المهجو به ، تأكيدا لقبحها في النفس ، و تحريضا على اجتنابها لرفع اللبس .

................

خالد ع . خبازة

اللاذقية

 

المراجع : عدد من كتب التراث



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق