لغتنا الجميلة
البحث الثاني عشر
في الشعر و النظم .. و الجوازات و الضرورات.. و فقا لما ورد في كتب التراث العربي .
القسم الأول
يقول كعب بن زهير :
ما أرانا نقول الا معارا ... أو معادا من قولنا مكرورا
كثيرا ما يقوم بعض الشعراء بالغزو و السطو على انتاج الآخرين و ينسبونها لأنفسهم ظلما و عدوانا
و لكن اذا أخذ الآخر ( الشاعر أو الأديب ) من الأول المعنى ، فزاد فيه ما يحسنه و يقربه و يوضحه ، فهو أولى به من الأول ، و ذلك كقول الأعشى
و كأس شربت على لذة ... و أخرى تداويت منها بها
فأخذ هذا المعنى الحسن بن هانئ ، فحسنه و قربه ، اذ قال :
دع عنك لومي ، فان اللوم اغراء ... و داوني بالتي كانت هي الداء
و قال القطامي
و الناس من يلق خيرًا قائلون له ... ما تشتهي ، و لأم المخطئ الهبل
أخذه من قول الرقاشي فقال :
و من يلق خيرا ، يحمد الناس أمره ... و من يغو ، لا يعدم على الغي لائما
و قال قيس بن الخطيم :
تبدت لنا كالشمس تحت غمامة ... بدا حاجب منها ، وضنت بحاجب
أخذه بعض المحدثين فقال :
فشبهتها بدرا بدا منـــــــه شقة ... و قد سترت خدا فأبدت لنا .خذا
و أذرت على الخدين دمعا كأنه ... تناثر در أو ندىً واقعَ الوردا
فلم يفسد الآخر قول الأول ، و لم يكن الأول أولى بالمعنى من الآخر .
فيما يجوز للشاعر استعماله وما لايجوز وفقا لكتب التراث
و الذي يجوز للشاعر المولد استعماله في شعره من الضرورة ، هو جميع ما استعمله العرب في اشعارهم من الضرورات ، سوى ما استثني منها ، و ما سنبينه لاحقا . و المولد في ضرورات شعره ، و ارتكاب صعابها ، أعذر من العربي الذي يقول في لغته بطبعه .
أما الذي لا يجوز للمولد استعماله ، و لا يسامح في ارتكابه ، فهو جميع ما يأتى عن العرب لحنا لا تسيغه العربية ، و لا يجوّزه أهلها ، سواء كان في أثناء البيت ، أو في قافيته ، فان اللحن لا يجوز الاقتداء به ، و لا النزول في شُعَبه .
فمن ذلك اللحن الذي سموه جرّا على المجاورة (الجر ). قال الشاعر :
فيا معشر الأعرأب ان جاز شربكم ... فلا تشربوا ما حج لله راكبِ
شرابـــا لغزوان الخبيث فانــــــــــه ... يناهيكم منه بأيمــــانِ كاذبِ
و هذا لحن قبيح ، و صوابه : ما حج لله راكبُ بالضم و ليس بالكسر .
و قال الآخر :
أطوف بها لا أرى غيرها ... كما طاف بالبيعةِ الراهبِ
جعل الراهب مجرورا على الجر ( لفظة الراهب جاورت لفظة البيعة المكسورة ) وهو لحن قبيح ، و صوابه : كما طاف بالبيعةِ الراهبُ .
و قال آخر :
كأن نسج العنكبوتِ المرمّلِ
و صوابه : المرمّلا . صفة للفظة " نسج " .. و أما قول الآخر :
كأنما ضرّبت قدام أعينها ... قطنا بمستحضر الأوتار محلوجِ
و صوابه محلوجا .. صفة للفظة " قطنا " .
و كل ذلك ، انما أتوا به بناء على ما ورد عن العرب من قولهم :
هذا جُحْرُ ضبٍّ خَرِبِ .
و ليس الخرِبُ اذ ليست هي صفة للضب ، و انما .. صفة للفظة جحر
قال الخليل بن أحمد :
" قولهم : هذا جُحْرُ ضبٍّ خَرِبِ ، انما ورد عنهم عن طريق الغلط ، و الدليل على ذلك ، انهم ثنوا .. لم يقولوا :
الا جُحرا ضبٍ خَرِبان .
لأن الغلط ههنا يبين ، و انما وقع في الواحد لاجتماع الجحر و الضب في الافراد . و كذلك اذا جمعوا ، فان الغلط يرتفع ، نحو قولك : هذه جحرة ضباب خرِبة . "
و مما لا يجوز للمولدين استعماله ، ما استعمله العرب من التقديم و التاخير ، و الفصل الذي لا وجه لشيء منه ، و لا يجوز للمولد الحذو عليه ، و لا الاقتداء به ، فانه لحن مستقبح ، كقول الشاعر :
لها مقلتا حوراءَ ، طُلَّ خميلةً ... من الوحش ، ما تنفك تُرعى عرارُها
أراد : لها مقلتا حوراء من الوحش ، ما تنفك تَرعى خميلةً طُلَّ عُرارُها . و قال آخر :
فقد و الشكُّ ، بيّن لي ، عناءٌ ... بوَشْكِ فراقهم ، صُرَدٌ يصيحُ
أراد : فقد بين لي صرد يصيح ، بوشك فراقهم و الشك عناء .
و قال الآخر :
فأصبحت ، بعد خَطّ بهجتها ... كأن قفرا ، رسومَها قلما
أراد : فأصبحت بعد بهحتها قفرا ، كأن قلما خط رسومها .
و مثل ذلك كثير ..
و قد ترى ما في هذه الأبيات من الفصول و التقديم و التأخير ، و مثل هذا لا يجوز للعرب المتقدمين ، فضلا عن المولدين المتأخرين ، و لا يجوز لأحد أن يتخذه رسما يعمل عليه .
.....
خالد ع . خبازة
اللاذقية
عن عدد من كتب التراث
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق